المسألة المركزية في هذا البحث تدور حول الارتباط العميق بين التشكيلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا لا يعني من وجهة نظر الباحث انتفاء الاستقلال النسبي لكل تشكيل عن الآخر، مع التركيز على التفاعل بينها وعلى دور المؤثرات الطبيعية والإنسانية والمادية في توجيه الخطوط...
المسألة المركزية في هذا البحث تدور حول الارتباط العميق بين التشكيلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا لا يعني من وجهة نظر الباحث انتفاء الاستقلال النسبي لكل تشكيل عن الآخر، مع التركيز على التفاعل بينها وعلى دور المؤثرات الطبيعية والإنسانية والمادية في توجيه الخطوط التركبية في وضعية التطور، وبالتالي في صياغة القرار المستقل والرؤية المتطورة للنظام الدولي وما يحمله من تغيير للهياكل الاقتصادية السائدة والتناسبات وموازين القوى بين الأقسام المختلفة لمسائل الإنتاج والعلاقات الدولية ورأس المال المسيطر في التشكيلات الرأسمالية المتطورة. لذا يصبح مدخل الاقتصاد السياسي مدخلاً أساسياً يجب ولوجه لفهم الارتباطات العميقة بين التشكيلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتطور السياسات الدولية التي يحدث في دائرتها تمدد خارجي للتشكيلات الرأسمالية المتطورة التي ربطت العالم بأسره جغرافياً واقتصادياً وثقافياً وهي عولمة راحت تهز بعنف التشكيلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتهدد البيئة الطبيعية. لقد حاول في الدراسة التي جاءت في سياق البحث التحليلي المقارن، أن تكون شاملة لكن بتركيز مكثف لإبراز تقلبات النظم الاقتصادية والاجتماعية منذ ما قبل التاريخ، وصولاً إلى هذه المرحلة التي تبدو فيها بلدان العالم الثالث متراجعة ومأزومة، ومن غير أن تكون قادرة بعد على استيعاب حركتها ونموها البطيء، والاندماج مقابل الحركة الحثيثة والمبرمجة التي تنفذها الدول المركزية للإبقاء على هيمنتها واستغلالها للشعوب الضعيفة. وهذا ما دفعه إلى إبراز نقاط التعثر، وتحديد الفواصل في عملية الاستلاب التي تتعرض لها بلدان العالم الثالث، واستطراداً إلى وضع الأسس الرئيسية لاستراتيجية تنموية تنهض بشعوب تلك البلدان. على هذا الأساس جعل كتابه هذا في قسمين: قسم أول يتضمن خمسة فصول وفيها بحث بموضوع الاقتصاد السياسي والتغيرات التي أصابت التشكيلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية منذ ما قبل التاريخ لغاية هذه المرحلة التي سيطر عليها نظام أحادي القطبية. أما القسم الثاني: وضمن فصول وفيها بحث بالقضايا التي تواجه العالم الثالث وتضغط على خناق شعوبه، مؤكداً على أن هذه القضايا ستستمر بطريقة حتموية بالتفاقم والتعقيد، خلافاً لتصورات بعض المؤسسات العالمية، وقد استند في رأيه هذا على تجاهل المعالجات المرتكزة على العلم والموضوعية من ناحية وعلى استقلالية القرار والديمقراطية من ناحية ثانية. وفي النهاية طرح مسألة التخطيط كنهج لا بد من إتباعه إذا ما قررت بلدان العالم الثالث التخلص من مستنقع قضاياها التي اصطلح على تسميتها بالتخلف.