... في الزمن الصعب، ومن بعده في الزمن الرديء، عندما تزعزع الكثيرون من مدعي النضال والصمود، فانكفأ من انكفأ، وتراجع من تراجع، وتلون من تلون، بقيت ذراع وديعة مرفوعة براية فلسطين والعروبة، وكأنها سارية السواري كلها.ولا عجب في ذلك، فلقد نشأت وديعة في أسرة بيروتية عريقة قومية...
... في الزمن الصعب، ومن بعده في الزمن الرديء، عندما تزعزع الكثيرون من مدعي النضال والصمود، فانكفأ من انكفأ، وتراجع من تراجع، وتلون من تلون، بقيت ذراع وديعة مرفوعة براية فلسطين والعروبة، وكأنها سارية السواري كلها. ولا عجب في ذلك، فلقد نشأت وديعة في أسرة بيروتية عريقة قومية الهوى، علمية النهج، سباقة في خدمة المجتمع والوطن. ويكفي من أعلامها على سبيل المثال لا الحصر، عمتها السيدة ابتهاج قدورة رائدة الحركة النسائية في لبنان منذ العهد العثماني، وشقيقتها العروبية الناصعة الدكتورة زاهية قدورة، ثم جاء زواج وديعة من الدكتور المناضل المرحوم أديب خرطبيل، ابن فلسطين البار، كاستدراج الطيب للطيب، وتفاعل المعدن مع نوعه. في هذا الكتاب القيم من الحقائق والوقائع ما يعفيني من تكرارها، وإن كنت واثقاً بأن كل هذا مما حباها الله به من إيمان وثبات وصمود، ومن قدرة على العطاء. آخر مرة التقيتها، وأعتبر نفسي على موعد مع هذه السيدة الجليلة، كانت متعبة من وعكة وطريحة الفراش، بعد دقائق من اللقاء واستماعي لما رددته من كلمات، لم أعد أرى سوى قامتها المديدة الواقفة بإستمرار كالألف، بكل ما عرفته عنها من قوة وعنفوان، تماماً كما التقيتها أول مرة قبل اثنتين وأربعين سنة يوم ظننتها أم "مروان" فقط، لأعرف فيما بعد أنها أم جميع الفلسطينيين. أمد الله بعمرها هذه السنديانة العربية الأصيلة والعريقة.