بين يديّ القارئ كتابان في كتاب واحد؛ مجموعة من المقالات والمقابلات والمداخلات كتبتها أو أجريتها ونشرتها في سبع من الصحف اللبنانية والسورية، حول موضوع الإتفاق الفلسيطيني - الإسرائيلي وما تفرع عنه من موضوعات: خلفياته، أخطاره، مجابهته، مع تركيز على دور المثقفين العرب،...
بين يديّ القارئ كتابان في كتاب واحد؛ مجموعة من المقالات والمقابلات والمداخلات كتبتها أو أجريتها ونشرتها في سبع من الصحف اللبنانية والسورية، حول موضوع الإتفاق الفلسيطيني - الإسرائيلي وما تفرع عنه من موضوعات: خلفياته، أخطاره، مجابهته، مع تركيز على دور المثقفين العرب، سابقاً ومستقبلاً، وذلك على مدى أربعة شهور من أواخر العام 1993 وأوائل العام 1994. وأني أعيد نشرها هنا بنصها الحرفي، بدون تعديل ولا تحرير ولا تزويق، حرصاً على أن تؤدي الغرض الذي نشرتها في الأساس من أجله: التعبير عن رفض وطني قومي لمشروع مسيء للشعب والقضية من وجهة نظر مثقف عربي حمل مسؤوليات ثقافية كثيرة وربما كبيرة، فيما مضى، ثم تحرر من قيودها وأصبح أقدر على التفكير الحر والمعالجة المنصفة مما كان في السابق؛ هي أوراق أسجلها للتاريخ، وأنا دارس للتاريخ ومؤمن به كعلم معلّم؛ ولعل جيلاً قادماً، بعد عقدين أو ثلاثة أو أكثر، يجد في هذه الأوراق صورة صادقة لموقف بعض معارض الإتفاق، وليس الغرض أن ينصف الجيل القادم بعض أبناء جيلنا ممن تصدّوا للإستسلام، بقدر ما هو تعبير صريح عن تمسك بعض أبناء جيلنا، بثوابت توارثناها وآمنا بها لكننا لم نستطع حمايتها لتقصير منا أو بطش من عدونا؛ إذ لا يجوز أن تلتقط ذاكرة أبنائنا وأحفادنا هذه الموجة الكاسحة من أدبيات الإنهزام ومقولات الإستسلام ولا تأخذ في الإعتبار وقوف جماعة من المثقفين، مهما كانوا أقلية، في وجه الموجة، يحاولون إفشال عمليات غسل الدماغ وفضحها ودحضها. وعذراً للقارئ الذي سيجد في هذه المقالات، المكتوبة في حوالي أربعة شهور، بعض الترديد والإعادة؛ عذري أني تعمدت تركها كما وردت حين نشرها، ولا أنوي تحويلها إلى بحث واحد متكامل تندمج فيه المقالات وتذوب في آلية الدراسة الواحدة الشاملة لفروع وعناوين فرعية متعددة. -ومجموعة من "الخواطر" إذا جازت تسميتها بذلك، لأني عجزت عن إيجاد تسمية صحيحة لهذه المواد، أسجل في ذكرياتي عن العام ألفين للميلاد، أي أنها ذكريات للمستقبل، أو قل أنها تعي قبل الوفاة، أو تصورات لوقائع وأحوال قادمة وضعت في صيغة الماضي. وتستند هذه التصورات إلى تجربة الحاضر والمخاوف من مساوئه وشروره، إنها توقعات أراها في مخيلتي تنتظم في حروف وكلمات وصور وكأنها إنعكاسات وترجمات لأحداث سابقة؛ وهي، بكلام آخر، ذكريات مستقبل قاتم تكاد تكون أشد وقعاً في النفس من ذكريات الماضي وتحليلات الحاضر. وكما سيجد القارئ، وضعت هذه الذكريات "المستقبلية" بأسلوب أدبي تخيلي ساخر، بعيد كل البعد عن التحليل المفترض أن يكون موضوعياً وعلمياً كالذي صيغت به مقالات الكتاب الأول.