... في السجن الذي دخله للمرة الأولى في حياته، تعرّف بأم عينيه إلى عالم السجون الرهيب، الذي يضم مخلوقات بشرية بائسة، بعضها داخل السجن دون أن يرتكب ما يستحق ذلك، سوى أن الأهواء الشخصية وإستغلال النفوذ الوظيفي، أو الأمني، أوصلهم قسراً إلى ما وراء الشمس، وفي السجن وخلف القضبان...
... في السجن الذي دخله للمرة الأولى في حياته، تعرّف بأم عينيه إلى عالم السجون الرهيب، الذي يضم مخلوقات بشرية بائسة، بعضها داخل السجن دون أن يرتكب ما يستحق ذلك، سوى أن الأهواء الشخصية وإستغلال النفوذ الوظيفي، أو الأمني، أوصلهم قسراً إلى ما وراء الشمس، وفي السجن وخلف القضبان كانت محاولات أحمد فؤاد نجم في ترجمة أحاسيسه ومشاعره ومشاهداته الواقعية المؤلمة إلى قصائد. وخرج الشاعر من خلف قضبان السجن في أيار 1962، ليعمل موظفاً في مؤتمر التضامن الآسيا - إفريقي، وفي هذا الشعر المذكور التقى بالمصادفة السعيدة بالشيخ إمام عيسى الفنان الضرير، الذي اكتشف فيه ملحناً موهوباً وفناناً عظيماً. وبعد هزيمة الخامس من حزيران المدوية في العام 1967، بدأ شعر أحمد فؤاد نجم، المغنى منه، يميل إلى وصف ما عكسته الهزيمة على الجماهير المصرية والعربية من خيبة أمل ومهانة. وكان امتياز صوت نقمة الجماهير الجريحة التي تريد الثأر من العدو الصهيوني، وإستعادة الأرض العربية التي فقدت، ومن خلال الجوع الكافر... والتشريد الدائم... والمطاردة البوليسية، والإستضافات في المعتقلات والأقبية المظلمة... مع شريكه الشيخ إمام عيسى، خرجت القصائد والأنغام الموجعة والألحان متناغمة ومتناسقة، مع المواقف العملية الثورية، لتجرف في طريقها الحواجز والموانع والصمت الإعلامي المشبوه، فوصلت رغم المصادرة والقمع والتعتيم، إلى الشباب والعمال والفلاحين والجنود وربات المنزل.