تخلل كل عصر جليدي وآخر عصر جفاف، حيث تعود الأماكن المطيرة إلى جافة أو شبه صحراوية، أدّى حلول عصر الجفاف هذا إلى أن يُفكِّر الإنسان إلى تغيير وضعه الإقتصادي للتغلب على النقص في المواد الغذائية نتيجة الجدب، فبدأ بممارسة الزراعة وتدجين الحيوان، ما أدّى إلى حياة شبه مستقرة...
تخلل كل عصر جليدي وآخر عصر جفاف، حيث تعود الأماكن المطيرة إلى جافة أو شبه صحراوية، أدّى حلول عصر الجفاف هذا إلى أن يُفكِّر الإنسان إلى تغيير وضعه الإقتصادي للتغلب على النقص في المواد الغذائية نتيجة الجدب، فبدأ بممارسة الزراعة وتدجين الحيوان، ما أدّى إلى حياة شبه مستقرة ثم مستقرة بعيداً عن التنقل والصيد. كانت أهم متطلبات الزراعة توفير المياه الدائمة أو شبه الدائمة، ومعرفة التقاويم بُغية مُتابعة أشهر السنة التي يتمّ فيها البذار والمغارسة، يلي ذلك رعاية المزروعات حتى موسم الحصاد والقطاف... دفع تراكم وإزدياد محاصيل الزراعة إلى ضرورة إيجاد وسيلة لحفظ ما يُستَلم ويُسَلَّم من مواد زراعية وحيوانية فنشأ التدوين، بداية على رُقُم الطين بشكل صُوري مع أرقام، ثم ظهرت الرموز الكتابية. تعود بدايات التدوين الزراعي إلى العصر السومري وفيه ظهرت إكتشافات زراعية على جانب كبير من الأهمية، منها دمج المحراث مع أنبوب للبذار، واستخدام الغير في مستودعات الغلال لحفظها، وغيره الكثير... ازدهرت الزراعة في كافة الحضارات العربية القديمة من بابل وآشور ومصر وماري وإبيلا وأوغاريت وسبأ... إلخ، وظهر ذلك جلياً بالإهتمام بقنوات الري وآلات رفع المياه بكافة أشكالها، ثم ظهرت القوانين المتعلقة بالنشاط الزراعي وهي أولى وأهم المجموعات القانونية... حتى اعتبر اليونان جنائن بابل المعلقة إحدى عجائب الدنيا السبع... أما العلماء المسلمون فمساهماتهم كانت أكثر من أن تحصى ويكفي أن المدن الإسلام ويوصف الرحالة الأوروبيين كانت قطع من الجنة على الأرض تحيط بها البساتين الرائعة لمسافات كبيرة... ووصلنا جزء يسير من إسهامات هؤلاء العلماء ومنهم كتاب "إسماعيل بن الرزاز الجزري" الذي عاش في ديار بكر أواخر العصر العباسي، وأطلق عليه "العلم والعمل النافع في صناعة الحيل" وفيه خمسون جهاز ري وغيره وصفه ورسمه بدقة، و"ابن وحشية" وكتابه البالغ الأهمية (الفلاحة) وغيرها الكثير مما يستعرضه المؤلف في هذا الكتاب المتميز، والذي يعد إغناء مهماً للمكتبة التاريخية والعلمية العربية.