لقد تمكنت البشرية من البقاء ومن تحقيق نتائج باهرة بفضل قدرتها على التعاون والحوار على مختلف المستويات، كان هذا الطريق معقداً وشائكاً.ويعدّ حوار الحضارات من أكثر الأمور بإشكالية، إذ إن كل حضارة تشكل عالماً خاصاً بتقاليده الحكومية، والإقتصادية، والثقافية، والدينية،...
لقد تمكنت البشرية من البقاء ومن تحقيق نتائج باهرة بفضل قدرتها على التعاون والحوار على مختلف المستويات، كان هذا الطريق معقداً وشائكاً. ويعدّ حوار الحضارات من أكثر الأمور بإشكالية، إذ إن كل حضارة تشكل عالماً خاصاً بتقاليده الحكومية، والإقتصادية، والثقافية، والدينية، واللغوية، وبعادات شعوبها الموروثة، كثيراً ما يصعب على ممثلي حضارات مختلفة التفاهم فيما بينهم، عدا عن الوجود الدائم لقوى تطمح أن تدفئ يديها على نار نزعات الآخرين، إلا أن معالجة مشكلات العصر الحديث الشاملة مستحيلة من دون تعاون الحضارات. حوار الحضارات هنا يعتبر جزءاً من الحياة اليومية، ومهما وجدت من نظريات عن تنازع الحضارات، فإنها تفقد مصداقيتها أمام واقع الحياة، يجب أن يحدد الحوار والتعاون حياة البشرية، إذا كانت تطمح للتطور والإزدهار. في هذا البحث الجماعي المعمق الذي ساهم في تأليفه مجموعة من كبار الباحثين في عدد من بلدان الغرب والشرق، يطرح المؤلفون عدداً من الأفكار الجديدة والإقتراحات العملية لتطوير حركية التفاعل والتحالف بين الحضارات في مناخ علاقات دولية أكثر ثقةً وتعاوناً. فهذا الكتاب هو دعوة للقارئ لأن يتشارك مع مؤلفيه بالتفكير الجاد من أجل تفعيل الحوار العقلاني لرسم إستراتيجية تعاون وشراكة فعلية بين الحضارات في أكثر من مجال تأسيسي معرفي أخلاقي، وعملي حياتي. دعوة ملحة موجهة للنخب الفكرية والشعوب من أجل إحياء الطاقة الإيجابية عندها، من أجل إستحداث ديناميات جديدة ولغة جديدة للحوار تهدف إلى تأسيس شفاف للتحالف الحقيقي بين الحضارات. هذه اللغة التي يفترض علمياً أن تتحرر من المفاهيم الماضية وأن تبتكر رؤية معرفية ومنهجية مرتكزة على فكرة التكامل بين العلوم لإستحداث إستراتيجيات جيوسياسية وجيوثقافية جديدة واقعية، إنسانية عادلة. فليس المطلوب الركون إلى زهو الغرب المنتصر، أو التحصن ضمن جدار الهويات المنغلقة: علينا أن نتعلم بإستمرار كيفية التواصل الخلاق بين ما هو عالمي ووطني وكوني.