-
/ عربي / USD
رواية للناشئة، تشير الى ارض فلسطين المغتصبة.
ثمة ما يسمّى بالإيديولوجية الضّمنيّة، وهي تلك الأفكار أو الخلفيّة الّتي يقف وراءها النّصّ الإبداعيّ أكان سرداً أو شعراً أو غيرهما... وفي حال رواية «أرض الزّعفران» للسّارد التّونسيّ «حسن سالمي» نقف على تلك الخلفيّة المضمرة، غير المعلنة، والتي نجد لها دلالة في العنوان، العتبة. فأرض الزّعفران تحيل دلالياً على الأرض الخصيبة الطيّبة العريقة الصالحة لنبات كلّ شيء بهيج مثمر. وبالعودة إلى تقديمها جغرافيا في مفتتح الرّواية بواسطة رموز معينة، فإنّ ذلك كلّه يحيل على خريطة فلسطين في وضعها الرّاهن... لا تقوله الرّواية بشكل مباشر، وإنّما توحي إليه إيحاءً شفّافاً، تاركة خيال القارئ أن يؤوِّل المكان بنفسه ويحدّد طبيعة الأرض التي ستدور فيها أحداث الرّواية... وهكذا نجد أنفسنا إزاء إحالة ضمنيّة تشير إلى أرض فلسطين المغتصبة والتي اتّخذ لها السّارد حسن سالمي عدّة رموز منها أسماء القرى والشّخوص والأحداث والأمكنة عموماً...
ثمة أيضاً عتبة أخرى، وهي تنصيص الكاتب على أنّها رواية موجّهة للنّاشئة. وهنا تكمن إشارة أخرى بالغة الأهميّة من حيث بناء العمل السّرديّ وأسلوبه. فرواية أرض الزّعفران تحمل الكثير من الأحداث الأليمة والبطوليّة، والكثير من التّشويق، واستدراج المتقبّل لتتبّع خيط السّرد النّاظم للحبكة. وهو إعلان خفيّ من الكاتب حسن سالمي، وتوجيه منه لهذا المتن السّرديّ لكي يكون خصّيصا للنّاشئة التي تتجاوز أعمارهم ستّة عشر عاما... ولعلّه يهدف بذلك إلى تذكير شرائح من الشّباب والأطفال بتاريخ فلسطين تكويناً ونشأةً، واحتلالاً ومقاومة من خلال بعض النماذج القروية كقرية الزّعتر، وقرية أصحاب الشأن، وزهرة المدائن... ومن خلال فنطازيا تاريخيّة رائعة، زاخرة بالشّخوص والأحداث المثيرة، والمشاهد بالغة الدقّة في التّصوير، والحوارات الثريّة، والفضاءات المتنوّعة، المنفتحة جميعها على آفاق الملاحم السرديّة.
والحقيقة، إنّ أرض الزّعفران بما فيها من تعدّد الأصوات والشّخوص والرّؤى والإحالات، وما تحمله من معاناة أرض تعرّض سكّانها إلى الغزو والتهجير، ما هي إلّا حلقة من حلقات ملحمة سرديّة كبرى ما انفكّ يشتغل عليها الرّوائي حسن سالمي ضمن مشروع سرديّ كبير يستهدف التذكير بقضيّة فلسطين والقضايا العادلة التي تشبهها.
اشتغل حسن سالمي في هذه الرّواية على الحبكة السّرديّة بمهارة، وعلى تصميم دقيق للشّخوص من حيث الأفعال والأسماء أيضاً، ونظم الأحداث وتتابعها، وتشابكها في علاقة متينة ومتداخلة، وبلغة متخيّرة ألفاظها، وفي معان قريبة إلى أذهان النّاشئة، وبكثير من التّشويق والتّخييل والإثارة. وهنا يتجاوز ما هو واقعيّ وحدثيّ مع الخيال، وهو من طبيعة العمل الرّوائيّ الّذي يعتمد على القارئ مشاركا ومنتجا للمعنى، والعدول به من راهنيّة الواقع وواقعيّته الفجّة إلى مدار الخيال وتخييله الخصب وشطحاته واتّساع مداه. لذلك تضمّنت هذه الرّواية الملحمة وقائع حرب وغزوات وأحداث مقاومة دفاعاً عن الأرض والعرض والوجود، والفضاء والحقّ في الحياة. وهي بذلك رواية تعدّ من حيث بناؤها ونوعيّتها من الرّوايات الملحميّة السيريّة في المكان، وأحقيّة العيش فيه، محتفية بالحدث، وحاثّة على تتبّع السّرد دونما ملل وضجيج، بأسلوب سلس هادئ عماده اللّغة الفصيحة المنسابة في عذوبة.
ليست هذه قراءة لسرديّة أرض الزّعفران الموجّهة للنّاشئة للرّوائيّ والقاصّ حسن سالمي، وليست من بواكير أعماله السّرديّة الكثيرة والمتنوّعة في أجناس مختلفة من القصّة إلى القصّة القصيرة جدّا إلى الرّواية، إنّما نحن بصدد تقديم موجز لهذا العمل السّرديّ النّوعيّ والممتع عسى أن يكون عملنا محفّزا للنّاشئة قصد الإقبال عليه، وسبر أغواره وخفاياه.
بقلم محمّد بوحوش، أديب تونسي
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد