-
/ عربي / USD
لم تكن تلك الدماء الزكيّة للشهيدين القائدين قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس لتجفّ بعدُ على أرض العراق في سَحَر ذلك اليوم الفجيع، حتى استيقظ ملايين الأحرار في هذا العالم كبركان ملتهب على الخبر الذي وقع كالصاعقة على القلوب، ولم يلبث أن تحوّل المشهد إلى ثورة عارمة وطوفان بشري قلّ نظيره في التاريخ..
وثارت حميّة النفوس الأبيّة وأصحاب الضمائر الحيّة صادحة بالثأر للشهداء والثبات على النهج واستمرار الكفاح والمقاومة والنضال حتى بلوغ المرام..
وانبرى شعراء الملاحم والحماس يتصدّرون الميدان بسيف الكلام ورصاص الأقلام يدكّون بها معاقل المعتدين ويزلزلون عروش المستكبرين.. وتوالت الحروف تنسكب على الكلمات، وتألّق اسم الشهيدين في المحافل والندوات.. فكانت تلك التراتيل ثروة أدبية، تزخر بالمبادئ والقيم والروح الجهادية.. وتحفظ التضحيات وتخلّد سير قادتنا وشهدائنا الأبطال لتسردها للأجيال القادمة..
وهكذا ففي كلّ يوم، يفوح عبق الشهادة، ونشمّ أريج الانتصار من قصائد هؤلاء الشعراء الذين يرسمون من الشهداء لوحات شرفٍ تجسّد ملاحمهم الخالدة عبر العصور، وتحتضن حكاياتهم بتنوع في الأساليب والقوالب.. لتتحوّل هذه المشاهد الشعرية المتعدّدة الألوان إلى أناشيد حماسية وملاحم بطولية تثير روح المقاومة والتضحية والفداء ضد الظلم والطغيان..
وهكذا تثمر دماء الشهداء في الدنيا.. فتحيي الأرض الموات.. ويختلط أريج الزهر بعبق الدم.. وتنبت شقائق النعمان بلونها الأحمر القاني.. وفي ذكراهم حياة لنا وعزّة الإنسان.. فبهم تحيى النفوس الميّتة ويمسي حديث الروح في الوجدان.. وأمّا الشهداء فهم أحياء عند ربّهم يرزقون.. وفي الآخرة يُؤذن لهم فيشفعون..
إنّها الشهادة! وفيها سرٌّ وأيُّ سرّ.. وللشهيد مقام ليس بعده بِرّ.. يتحوّل بشهادته في سبيل الله إلى نجم ساطع يزهر في سماء الوطن، وكوكب متألّق يسطع نوره في ظلمات المحن.. وكلّ ما يبقى من آثاره يصبح أيقونة تبعث الإلهام.. فيا تُرى ما سرّ خاتم سليماني ملهم الشعراء والثوّار على مرّ الزمن؟! إنّها الكرامة في الحياة وفي الممات.. وهذا غيض من فيض أثر الشهداء على الأحياء.. فعلى أرواحهم ألف سلام وسلام..
ومعاهدة منّا في إكمال مسيرة الشهداء وحفظ القضية ومتابعة نهج هؤلاء القادة الأبطال يسرّ دار الحضارة الإسلامية أن تساهم في نشر كل ما يتعلّق بهذا الإرث الخالد والتراث السامي، فكانت هذه المجموعة المعبّقة بأريج الشهادة في ذكرى الشهيدين القائدين قاسم سليماني ورفيق دربه.
******
يعدّ حدث استشهاد القائد قاسم سليماني ورفاقه، أهمّ الأحداث الّتي حرّكت قرائح الشّعراء العرب في السّنوات الأخيرة، فقد ترك الرّجل بشخصيّته الفريدة أثرًا عميقًا على مستوى المستضعفين في العالم، وبالتّالي كان من الطّبيعيّ أن يكون ملهمًا للشّعراء، وموضوعًا يستحقّ أن يتوقّفوا عنده طويلًا، ومازال النّشاط الشّعريّ حول هذه الشّخصيّة الفريدة مستمرًا، ومازالت القصائد تتدفّق في وصفها، والحديث عن أعمالها الفذّة بإكبار وإعجاب.
ووفاءً منّا للقائد سليماني ونهجه المقاوم، ارتأينا أن نعدّ هذا الكتاب الّذي جمعنا فيه مجموعة لا بأس بها من قصائد الشّعراء، بعد أن وصلنا عدد كبير جدًّا منها من الدّول العربيّة.
إذ قمنا باختيار البعض منها بناء على اعتبارات لغويّة، دون أن نتوقّف عند التّقنيّات الشّعريّة الّتي تفاوتت بين الشّعراء، فمنهم من قدّم قصيدة جزلة قويّة ومتماسكة وذات معانٍ عميقة ومبتكرة، ومنهم من قدّم قصيدة تقليديّة وبسيطة، كما جانَبَ بعض الشّعراء الوزن أو الموسيقى مع اهتمامه بالمعنى والعاطفة والتّصوير الجميل، فيما قدّم البعض نصًّا نثريًّا عميق المغزى والمعاني، وقد وردتنا بعض القصائد الزّجليّة باللّغة المحكيّة، فأوردناها في نهاية هذه المجموعة.
وبالجملة لم يتمّ اعتماد معيار معيّن في ترتيب هذه القصائد في هذا الكتاب، فجاء التسلسل بشكل عفوي، مع تقديم خلاصة للسّيرة الذّاتيّة لكلّ من الشّعراء، الّذين نتقدّم منهم بالشّكر الجزيل على كتابة هذه القصائد خلال وقت وجيز، راجين أن يكون هذا الكتاب من ضمن سلسلة كتب و نتاجات تقدّم مجموعاتٍ من النّصوص المميّزة الّتي تؤّرخ لشخصيّة القائد الملهم قاسم سليماني رضوان الله عليه.
وختامًا لابدّ لي من تقديم الشكر والعرفان لوكالة «تماس» الأدبية التي شرفتني بالتكليف للتواصل مع الشعراء وجمع أعمالهم الشعرية، وللشاعرة القديرة المقاومة «أمل طنانة» التي كان لها الدور الأكبر في مراجعة النصوص الشعرية وإنجاز المشروع ولإدارة «دار الحضارة الاسلامية» التي تكفلت بطباعة الكتاب باسم «حبر سليماني».
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد