-
/ عربي / USD
“آه لو أستطيع أن أدكّ هذه الحيطان من حولي لتصبح الدنيا أكثر اتّساعا”
هل كانت حيطانا أم جدرانا؟ ألم تذكر الرواية ستائر النوافذ أيضا؟ يتذكّر جيّدا عنوان الرواية “الحريّة أو الموت”. لا يتذكّر اسم مؤلّفها. جذبه العنوان فحسب وهو من حظّه أنّه زامل سجناء مثقّفين وشبه مثقّفين. وحينما ملأت الكتب غرفتهم المُكتظّة بالأنفاس والماضي والتّهم ودخّان السجائر الرّخيصة، اختار الكتاب الذي أوحى له بالبطولة ولو على ورق. الحريّة أو الموت!
يقرأ صفحة أو أقلّ ثمّ يرميه. ويعود لينضمّ لهؤلاء المشغولين بكتبٍ ضخمة تسكتهم لساعات. لم يفهم كثيرا من التفاصيل، وحينما سأل أحدهم عن جملة ما نظر إليه بهدوء وقال: لا عليكَ. بعض الجمل لا معنى لها. لا تجهد نفسكَ فتّش فقط عمّا تفهمه دون عناء.
لم يسأل بعدها ولم يقرأ كتابا حتّى النهاية. صار يقرأ من كلّ كتاب بضع صفحات ويتركهُ. صارت العناوين تغريه أكثر. هو الذي ترك المدرسة في نهاية الصف العاشر بمعدل دون المتوسّط. لم يقرأ في حياته كتابا كاملا. تتكدّس العناوين أمامه ويختار منها ما يليق بيومه.
“الفئران والرّجال”، ” الجريمة والعقاب”. استهوته تلك الواضحة جدا، التقريريّة والتي تشير إلى صراع أو صداقة ما توحي بها الواو الرابطة بين اسمين.
في الأشهر الأولى لمحكوميّته أطلق عليه زملاؤه اسم “حارق الخيمة” بعد أن حكى لهم قصّة دخوله السّجن:
لم أقصد قتله أبدا. لم أعرف أنّه داخل الخيمة حينما أضرمت النيران فيها. رأيته يخرج منها قبل الحادثة بقليل. متى عاد إليها لا أعرف. كان قد فقد بيته جراء طيبته. وقع ضحيّة عملية نصب واحتيال رمته إلى الشّارع. الخيمة الّتي تكرّم عليه بها سارق بيته أطفأت آخر رغبة عنده في استعادة منزله. رضي بالخيمة في الحديقة العامة بيتا يُمارس فيها ما يشبه الحياة. أمرُّ عنه صباحا ومساء و نظرته الراضية الوادعة تثير غضبي. كيف يستسلمُ هكذا؟ كيف يرضى بذلّ الشّارع وبيته على مقربة بصقة متقنة؟ تحدّثت إليه مرّتين وكانت إجابته: لا أريد أكثر من هذه الخيمة تستر ضعفي وقلّة حيلتي. هل جرّبت مرّة مصارعة الوحوش؟ أنا لا أستطيعُ مصارعتها. هي الخيمة إذن التي يستر فيها ضعفه؟ كان لا بدّ من أحراقها حتّى يكتسب شجاعة مصارعة الوحوش واستعادة منزله. لم أعرف أنّه بداخلها. وحصل ما حصل.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد