-
/ عربي / USD
بعد انقضاء دقيقة أو دقيقتين، سمعنا النغمات الافتتاحية لمقدمة رحمانينوف في سلم صول الصغير، مصنف 23. كانت ألف في غرفة النوم الاحتياطية، بجوار الباب الأمامي، حيث يوجد البيانو، وحيث كانت تقضي معظم حياتها في تلك الأيام. توقف الرجال عن الحديث، وازداد صوت الموسيقى ارتفاعًا. كانت تلك هي مقطوعة ألف المفضلة، وربما كانت الموسيقى التصويرية المصاحبة لثورتها السرية. ظلَّت تتدرب عليها طوال عامين من دون توقف، مع مدرس من المعهد الموسيقي في وينيبيج، كان يأتي إلى منزلنا مرتين أسبوعيًّا ليعطيها الدروس. كنتُ أنا ووالداي على دراية بكل الفروق الدقيقة بين نغماتها، وبعذابها، ونشوتها، واحترامها التام لأهمية التشتت الفوضوي للمونولوج الداخلي. كانت ألف قد وصفت لنا ذلك. لم يكن البيانو مسموحًا حتى بالفعل في بلدتنا، إذ كان يذكر المرء بدرجة كبيرة بالحانات ومتاجر المشروبات الكحولية غير القانونية والفرحة الجامحة. إلا أن والداي جلباه إلى المنزل خلسة على أي حالٍ، بعد أن اقترح طبيبٌ في المدينة توفير «منفذ إبداعي» لطاقات ألف، بدلًا من أن تصبح «جامحة»، وكان لتلك الكلمة دلالات مشؤومة. كان الجموح هو أسوأ شيء يمكن أن يصبح عليه المرء، وسط مجتمع مهيَّأ للامتثال. بعد بضع سنوات من امتلاك بيانو سري، يُغطى على عجلٍ بالملاءات والأجولة عندما يأتي كبار الطائفة للزيارة، أصبح والداي يحبَّان عزف ألف، حتى إنهما صارا يطلبان منها عزف بعض الأغنيات بين حين وآخر، مثل «نهر القمر»، و«عندما تبتسم الأعين الأيرلندية». في النهاية، اكتشف كبار الطائفة أننا نخفي بيانو في المنزل، ودار نقاشٌ طويلٌ حول هذا الموضوع بالطبع، ودارت بعض الأحاديث عن الحرمان الكنسي لوالدي لثلاثة أو ستة أشهر، وعرض هو تحمُّل الأمر بشجاعة، لكنهم قرَّروا التخلي عن ذلك عندما بدا عليه الرضوخ إلى هذا الحد عن طيب خاطر (إن فرض العقوبة ليس أمرًا ممتعًا عندما تطالب به الضحية)، بشرط إشراف والديَّ على استخدام ألف للبيانو كأداة لخدمة الرب فحسب.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد