-
/ عربي / USD
قارئ علي شمس الدين لا بد سيدرك أن المتكلم الذي يصدر عنه كلام المجموعة ليس متذكراً إنه نساء ترك كل شيء خلفه، لا وقت لديه للتذكر، ولا صورًا قادرة على الحضور في الذاكرة لإعادة تصنيعها وتعليبها في جمل والأهم أن أحدًا لا يريد منه أن يتذكر ولا أن يبدأ خطاب الحنين الذي يعتمل في صدره عليه أن يبدأ الكلام ما أن يحين دوره فيه وهو كلام لا يستطيع أن يتمهل في الحلق ويتدور في الذاكرة. هذا ليس شعرًا متعارفًا عليه فالشعراء يتمهلون غالبا في إطلاق الكلام، أحداث قصائدهم تقع في ذاكراتهم، وليس في الشارع أو الحانة أو محطة المترو الكلام في أصابعهم يتمهل طويلا قبل أن يتكون، لذلك تبدو الحوادث في شعرهم أكبر من الحوادث نفسها. في شعر على شمس الدين تبدو المعادلة معكوسة تماما. يبدأ نصوصه من استحالة التذكر، الوقت غير متسع أصلا للتذكر، والهجرة التي دفع إليها دفعا، لأسباب كثيرة ومتعددة، تستهلك كل حواسه ومداركه. عليه أن ينتبه إلى كل تفصيل لكي يتسنى له الوصول إلى الملجأ الذي ارتضاه سكنا والنزول فيه. وعليه أن يتضاءل ككائن، مساحة وحجما وحضورا، لكي يستطيع أن يرافق الذاهبين إلى أعمالهم في محطات المترو وباصات النقل المشترك. لا يتحسر على ما مضى، إذ أنه يدرك، وبسبب من معاينته ملجأ النجاة وطرقه ومساربه أن هذه النجاة هي نجاة بيولوجية. وأن كل ما يمكن أن نفعله ونحن نستكمل عد أيامنا فيها لا يتعدى أن نعدها بصبر من يحسب أن العد هو الغاية والمال. لهذا يخرج الكلام طازجا، لا تفلتره الذاكرة، ولا تزينه أوهامنا وانفعالاتنا. المهاجر، الذي هو الشاعر في هذه الحال، لا يملك ترف أن ينفعل وعليه من جهة ثانية، أن يتجنب انفعال الآخرين. أن يبتسم للعابرين، لئلا يحسبونه قادرا على الغضب أو الامتعاض. هكذا تخرج النصوص كما لو أنها لم تمر في غربال القواميس كل إشارة في هذه النصوص تشير إلى أن ما يتم اختباره على مدى الصفحات ليس مسبوقا، ولا يمكن أن يصلح لتأسيس حكاية.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد