تعد الحرف من الاساسيات التي ترتكز عليها المجتمعات، في الوقت نفسه تمثل جوانب حضارية لما لها من تأثير مباشر في حياة الفرد والمجتمع، فالحرف تعكس الصورة الحقيقية والناصعة للمجتمع من حيث مستواها المعاشي والاقتصادي، ومن هنا جاءت أهمية اختيار الموضوع ودراسته، ومما زاد من أهمية الموضوع إن أغلب الدراسات اهتمت بالجانب السياسي دون الجانب الحضاري.
يمثل كتاب (تاريخ بغداد) للخطيب البغدادي مصدراً مهماً إذ احتوى كل فئات ومكونات المجتمع الإسلامي آنذاك، ومن ضمن هذه المكونات (أصحاب الحرف)، من المحدثين وأهل العلم ونحوهم، فرأيت أن أخص أصحاب الحرف الذين ذكرهم الخطيب في تاريخ بغداد من بين ما ذكر، بهذه الدراسة، وذلك لأهمية أصحابها في المجتمع الإسلامي كونهم مارسوا عدة أدوار منها دورهم العلمي الذي يتمثل في رواية الحديث والعلوم الشرعية ودورهم الاقتصادي عن طريق ممارسة حرفهم المختلفة مع ما يقومون به من دور علمي وغيره، وكذلك لأهمية الحرف في حياة المجتمع الإسلامي آنذاك والعباسي منه خاصة، إذ شهدت بغداد نهضة حضارية وعلمية واقتصادية بصورة خاصة وبقية المدن الإسلامية بصورة عامة، كانت الحرف أحدى مقومات تلك النهضة، كما أن ألقاب الحرف التي لقب بهذا اصحابها قد أخذت حيزاً كبيراً من كتب التاريخ كون هؤلاء برعوا في المجالات العلمية كافة من أدب وعلوم شرعية واجتماعية تستحق الوقوف عندها وخصها بدراسة خاصة بها.