في هذه المجموعة الشعرية يبعث الشاعر عوالم قديمة ويعالجها بنظرته المحايدة في استذكار التاريخ، والتي تعكس تجربة كبرى للشاعر في حسن استخدامه لرموزه الشعرية، واستلهامه لنصوص فولكلورية وإطارات ملحمية، واستفادته من التاريخ العام والخاص، كما تظهر النصوص حرص الشاعر على تدشين رؤاه الخاصة وتأكيد أسلوبه. قصائد "النعي الأخير" تنتصر للحق والجمال وترثي الواقع المتردي الحافل بالدم والمراثي والهدم وعدمية الحكمة، وكأن إرادة العالم تنحو نحو اللامبالاة.
يقول الشاعر من نص (آخر دروس الصحراء):
"اللّيل المحلّق في البعيد يلتقط من عمرك
بطريقته المدهشة
الوجود الّذي كنته
اللّحظة الّتي تفقد خلودها
وأوجاعك القادمة بعد أن تتمّ عملها
يطيرُ بها إلى النّسيان
يرتحل إلى اللّانهايات
وفوق صدره غبارٌ لذكرياتٍ لم تستطع تجاوزها
ليلٌ متحرّك
وأنت لست أكثر
من هدفٍ على دروبه الطّويلة
تلويحة بحجم وداعٍ لا يمكن تجنّبه
تلقى على صدرك
الظّلام نازلًا بدلائه
المحطّمة
في ظلّ جسد خُيِّل له أنّه شرب ماء النّبع
ينساق ورق كثير نحو صحراء
ظلّت مسدلة رملها
في الاتّساع الجافّ
جميع الغابات لا تبدي اهتمامًا
اشتراها فأس الزّمن
وليس معك
ما تصدُّ به الأذرع الصّلبة
هل تسمع ضربات السّاعة السّريعة
على الجذع؟
سقطة أخيرة
هذه المرّة لكلّ الشّجرة"..