-
/ عربي / USD
واجه الفقيه الشيعي منذ اكتمال تكون الجماعة الشيعية الامامية اشكالية مشروعية الدولة في عصر الغيبة، تلك المشروعية المحجوبة تبعا لاحتجاب الإمام المهدي عام 329هـ، فاجتذبت هذه الإشكالية ثلة من متكلمي وفقهاء الشيعة سعيا إلى وضع إجابات مقبولة لفراد الجماعة، ووضع حد للتساؤلات المثارة حول العلاقة مع الدولة في عصر الغيبة، ولكن الإجابات لم تكن حاسمة وقاطعة ونهائية، فقد ظلت مساحة الجدل حول مسألة العمل مع السلطان في اتساع متصل، وباتت تمثل خلفية حاضرة ونشطة تستعلن نفسها في النقاشات الجادة المحررة في مصنفات الفقهاء والمتكلمين أو في الاستفتاءات الشرعية المرفوعة من قبل المضطلعين بأعمال سلطانية إلى الفقهاء.
أثمرت هذه النقاشات الجادة والمثرية في نشاط فقهي-بخلفية كلامية-يصوغ نظرات الفقيه في المجال السياسي، وجاءت تجارب الفقيه مع الدولة على امتداد عشرة قرون لتهب الفقيه قدرة على موضعة نفسه في مساحة النزاع بينه وبين السلطان، وما انفك لفقيه في كل مرة يجتاز فيها تحديا مع الدولة يعالجه بأدوات فقهية وكلامية يجوز على موقع متقدم داخل هذه المساحة، حتى يصل الفقيه بأفقه السياسي المعالج فقهياً إلى حد استيعاب الدولة بالكامل وإدراجها ضمن صلاحيته وحده. ولكن الدولة التي يروم الفقيه تدشينها ليست خاضعة لمعايير الدولة الحديثة، وإنما لمعايير خاصة مرصودة في المجال الفقهي، وهي نفس المعايير التي تمنح الفقيه احتكاراً للدولة. وحيث يتطور الفقه السياسي الامامي يتجه وبصورة طبيعية إلى عملية احتواء الدولة باعتبارها امتيازاً خاصاً، فبعد أن كانت الدولة امتيازاً للإمام وحده، أصبحت-حسب تطور الفقه السياسي الشيعي ممثلاً في أطروحة ولاية الفقيه المطلقة-امتيازاً لنائب الإمام وهو الفقيه. ولكن النتيجة لا تغطي المشهد بالكامل بل هي تعبير عن الانشعاب داخل المدرسة الإمامية، بل هي نفسها مصدر لسلسلة الانشعابات المعاصرة على قاعدة سياسية تارة وفكرية تارة أخرى وفقهية ثالثة.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد