عندما تحدّثَ مع أصدقائهِ المقربين جداً من قلبهِ عن معاناته في كتابةِ أطروحته، ولعلها معاناة تخصّهُ ولا تخصُّ سواه، لأنّها تتحدثُ عن باحثٍ يعتزلُ العالمَ في غرفةٍ "صفراءَ فاقعٍ لونُها"، قد لا تسرُّ أحداً، لأنه يغلق الأبوابَ والشبابيكَ، وكلَّ ما هو مفتوحٌ، مع الابقاء على بعض...
عندما تحدّثَ مع أصدقائهِ المقربين جداً من قلبهِ عن معاناته في كتابةِ أطروحته، ولعلها معاناة تخصّهُ ولا تخصُّ سواه، لأنّها تتحدثُ عن باحثٍ يعتزلُ العالمَ في غرفةٍ "صفراءَ فاقعٍ لونُها"، قد لا تسرُّ أحداً، لأنه يغلق الأبوابَ والشبابيكَ، وكلَّ ما هو مفتوحٌ، مع الابقاء على بعض الأشياء التي لا تُغلق، لئلا يسمعَ الأصواتَ التي قدْ تأتي منْ هنا وهناك، فتؤثرَ على تفكيكهِ وتلقيه، بما في ذلك، أصوات المراوحِ والمكيفات والمهافي، في غرفة ستكون خانقة، تذكرُنا بغرفةِ الساردِ الأسطوري الكبير (محمد خضير)، الغرفة الكائنة على السطحِ، فوقَ المطبخِ، ذات الـ (45) درجة مئوي، الدرجة المثالية لتأليف الكتب، وكتابة الرسائل والاطاريح، حتى كأنَّ قحفةَ رأسهِ- رأس الباحث- وهو يَتلمَسُّها بأطرافِ أصابعهِ، تكادُ أن تنفصلَ عن باقي أجزاءِ جسدهِ، الذي بدأ يفقدُ قدرتَهُ على أنْ يكونَ "جسداً له خوار"، أما ظهرهُ الذي بدا مقوساً، فقد استعار له من (عبد العزيز حمودة) بعضاً من عنوانهِ الجميل، وهو يتحدثُ عن حالِ "النقدِ الأدبي" الذي بدا في مرآته مُحدَباً، وهوَ لمْ يكنْ كذلك، فيما مضى، ربّما بسببِ الزمنِ، فالزمنُ، كما تعلم يا ولدي، يغيرُ الأشياءَ والأشكالَ، وما كانَ مستقيماً في يومٍ "ما"، لا بد أنْ ينحني في أواخرِ أيامهِ... ومع ذلك، فإن الباحث مستمتعٌ جداً بالقراءة، وفرحٌ أيّما فرح بالبحث، وهو يعلقُ آمالاً كبيرةً على الكتابة، ويشعرُ بأنّها أيامٌ لن تتكرر بحشدها العلمي وحلاوتها ومرارتِها واكتشافاتها، أما قحفةُ رأسهِ، التي أُصيبَتْ بالعطب، فإلى جحيم.