الالتزام شأن إرادي وأخلاقي عظيم، خلافًا لما تنشره النزعة الفردانية الانتهازية. وقيمته تأتي من موضوعه بقدر ما تأتي من دوافعه ونتائجه ومن الظروف التي تتم فيها ممارسته. وهو أنواعٌ كثيرة تبعًا لتنوع الموضوعات والقناعات التي يتمتع الإنسان بالانحياز إليها والارتباط بها. على هذا الأساس اجتمعت نصوص هذا الكتاب كمطارحات يحرِّكها التزامٌ عميق بقضية كبيرة تهم الشعوب العربية جميعها، وهي بحسب المصطلح الشائع قضيةُ الحداثة.
ولكن الزاوية التي يتم تناول هذه القضية منها في هذا الكتاب مجددةٌ بدقة، وهي زاوية الحداثة في الفلسفة وعبر الفلسفة. وكان المؤلف قد حدَّد موقفه المنهجي من كيفية التعامل مع تاريخ الفلسفة من أجل تنظيم عملية التحرُّر من الاغتراب في تاريخ الفلسفة؛ فجاءت مطارحات هذا الكتاب بمنزلة إسهامات متساندة ومتكاملة للتدليل على صحة موقفه وخصوبته، سواء تعلق الأمر بالتراث أم تعلق بالفلسفة في الحضارة الغربية. بعبارة أخرى، لا يتحدث المؤلف هنا عن الاستقلال الفلسفي كسبيل للحرية والإبداع، بل يضعه في حيّز الممارسة والتطبيق على موضوعات راهنة تستمد في تاريخ النظريات حولها قدرًا كبيرًا من الأهمية والعمق والمعنى.