يوضح "وجدانيّات" كيف يختلف الوجدان عن الضمير حيث أن الأول صوت داخلي، فيما الثاني ليس دائماً كذلك... لكن شتان ما بين معطيات الصوتين... ويشدد الكتاب على ضرورة وأهمية وعي المرء لمدلول كلمة وجدان. فالايمان حالة وجدان... والعاطفة حالة وجدان... والطموح أيضاً... كذلك التفكُّر في الكون...
يوضح "وجدانيّات" كيف يختلف الوجدان عن الضمير حيث أن الأول صوت داخلي، فيما الثاني ليس دائماً كذلك... لكن شتان ما بين معطيات الصوتين... ويشدد الكتاب على ضرورة وأهمية وعي المرء لمدلول كلمة وجدان. فالايمان حالة وجدان... والعاطفة حالة وجدان... والطموح أيضاً... كذلك التفكُّر في الكون والحياة... كما يُعتبر الإلهام أحد مراتب الوجدان... هذا وكل التماوجات الداخلية التي تكتسح الفكر والعاطفة، وخصوصاً عند الجلوس بين أحضان الطبيعة الساكنة، هي أيضاً حالات وجدان. ميزة الكتاب أنه يعالج موضوع الوجدان ويحلّله بعمق المنطق المتجرد ودقة التوصيف وسلاسة البنيان، شارحاً بداية أن الوجدان باطني المصدر وفكري التفاعل لمعلومات أخرجها مخزون الباطن الغائر في كل إنسان.... فبين الفكر والوجدان تكمن المعرفة ويهجع الجوهر متمثلاً بالحقيقة التي ما انفك الفكر عن تناولها في وجدانياته بهدف كشف غوامض الحياة واستكشاف سر الإبداع في كل عمل. من جهة أخرى، يتكلم "وجدانيّات" عن جمال الفكر الذي يُضفي أناقة التعبير وألق التفكير إلى بلاغة الكلام... الفكر الحر الذي ينطلق من صميم النفس والذات ويتوسع في الخارج... الفكر المتجرد المبتعد عن ميول الأنا، سيّما إذا مارس فن التواضع هواية ومهنة!!! فالفكر عبر تفاعله المزدوج بالمنطق الدنيوي والمنطق العلوي قادر على الانطلاق من صلب المادة إلى ما ورائها. هذا والوجدان يشكل إحدى حالات الفكر في تواصل النفس مع الذات. إذ أن رفع مستوى الوعي يقوم على رفع مستوى الفكر أولاً. وما "وجدانيات" الكتاب غير "قطوفات الوعي" على الطريق! كتاب "وجدانيّات" يكشف على الملأ حقيقة الوجدان الذي هو، كالإلهام، درجة على سلم المقدرات الباطنية. هذا والفارق بين كليهما أن رسائل الإلهام تخص صاحبها مباشرة في حين أن الرسائل الوجدانية تخص الإنسانية بوجه عام. واللافت في الكتاب أنه يضعنا وجهاً لوجه أمام نفوسنا. يكفينا إمعاناً في كشوفاته كي نعي الإمكانات اللامحدودة في الكائن البشري، والذي تأبى عليه حريته إلا أن يعيش في امتداد دائم لكل مراحل وجوده بين عالم الظاهري وعالم الباطن، بين تجاذبات المعرفة وكشوفات الوجدان... كما يستذوقها الفكر المتفتِّح والمنفتح. فالمعرفة حقيقة والوجدان عشق لها. المعرفة كمال والوجدان وَجْدٌ للكمال... فالوجدان يحوّل الفكرة إلى معرفة، إلى فعل وممارسة. هذا وعندما يقدم الوجدان مفهوم الجمال في المطلق، ومفهوم الكمال في النسبي، يغدو في أرقى حالاته! ما هو الوجود، النور، الكون، الحياة، الطبيعة، الأبعاد، الكمال؟.... هذا ما تتناوله "وجدانيات" الكتاب شارحة دور الجميع في الحياة العملية. ثم علاقة الجميع بالمحور- الإنسان. برقة الإيجاز وبساطة السرد والترابط تستعرض أبواب الكتاب محتوياته بأسلوب مقتطفات منثورة، دقيقة التصوير، بعيدة المرمى والمبنى... تلقي الضوء على الأسرار الخافية بأسلوب السهل الممتنع. لأن حقيقة المعرفة غالباً ما يرفضها الفكر لبساطتها، ولو تبصّر فيها ملياً، لوجدها صافية براقة كالبلّور، وكاشفة كنقاء مياه البحر في الأعماق. كتاب "وجدانيّات" هو هدية إلى كل امرئ ينشد إنسانية الوعي والإدراك... كون الوجدان يحصر التفكير، يعمقه، يبرز الشخصية الإيجابية ويوسع مدى حريتها... ما يترجم ظاهرياً بالإنسانية في البعد الفعلي للكلمة، الإنسانية التي تحلل الحقيقة الكامنة وراء كل واقع مادي، لتغذية الفكر والخيال التي تساهم في الاستنباط والإبداع في الحياة.