-
/ عربي / USD
كتاب الاشتغال بالتاريخ ضمَّ واحدًا وثلاثين بحثًا لثلاثين كاتبًا وباحثًا فرنسيًّا وآخر غير فرنسي يمثلون قامات مرموقة في علوم التاريخ، وهي أبحاث متقدمة في مجالها، كُتبت بأقلام مؤرخين بارزين في التأريخ الحديث القائم على نبذ الخطاب الإقصائي الذي كان سائدًا واعتماد خطاب كليّاني ودراسة علاقة التأريخ بوصفه علمًا بالعلوم الأخرى وتأثره بها سلبيًا وإيجابيًا، كما يتضمن عروضًا متناثرة في كلمات الباحثين عن أهم التيارات التاريخية. يتطرق الكتاب كذلك إلى أهم الشخصيات التي بُني علم التاريخ الحديث على أفكارها، وتأثيره في مجتمعات فرنسا الجمهورية الثالثة وأوروبا عمومًا. أشرف على الكتاب مؤرخان مخضرمان يُعتبران من أساطين علم التاريخ؛ هما جاك لاغوف Jacques Le Goffوبيير نورا Pierre Nora، وترجمه جمال شحيِّد، وراجعته ميرفت أبو خليل. يقع الكتاب في 896 صفحة، شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا.
وسط تشرذم التدوين التاريخي عن النظام الملكي وتناقضه في القرن التاسع بين مؤرِّخين ليبراليين ويساريين من جهة ويمينيين من جهة أخرى، برز في ظل الجمهورية الثالثة توجُّه جديد بعد حكومة "كومونة باريس"La Commune de Paris التي أسقطت نابليون الثالث في منتصف آذار/ مارس 1871 إثر الاجتياح البروسي المذلّ لشمال فرنسا في عام 1870، ثم قضت عليها القوات الفرنسية النظامية سريعًا في أيار/ مايو من العام نفسه، وكان هذا التوجه يهدف إلى تجاوز الخطاب الإقصائي واعتماد الخطاب العلمي، برز فيه إرنست لافيس Ernest Lavisse وشارل سينيوبوس Charles Seignobos وشارل فيكتور لانغلوا Charles-Victor Langlois.
انخرط في تحدي جعل التاريخ علمًا كلٌّ من مارك بلوخ Marc Bloch، ولوسيان فيفر Lucien Febvre، وإرنست لابروس Ernest Labrousse، فاهتمت مجلة الحوليات Les Annales في عام 1929 بـ "التاريخ الكلياني" وعلاقة التاريخ بعلوم كثيرة نجد بعضها في القسم الأخير من كتاب الاشتغال بالتاريخ، كما ساهمت مؤسستان أنشأهما فرنان بروديل Fernand Braudel؛ هما: "بيت علوم الإنسان" و"المدرسة التطبيقية للدراسات العليا"، بدراسات الإصلاح الجامعية التي أشرف عليها مع لابروس في المناطق الفرنسية والأوروبية، وكرّست منهجًا تاريخيًّا جديدًا نظرت أغلبية المؤتمرات التاريخية في مسائله ومصادره ووثائقه.
تعود نصوص الاشتغال بالتاريخ إلى ستينيات القرن العشرين وسبعينياته؛ إذ جرى في هذا التاريخ تأثُّر مؤرخي الحوليات وأساتذة التاريخ بالتيار البنيوي في العلوم الإنسانية وتلاقي أفكار بعضهم مع أفكار ميشيل فوكو Michel Foucault الصديق المقرَّب لـبيير نورا، المعتبَر من أساطير التاريخ الفرنسي؛ ما أفرز تركيزًا من أولئك على "التاريخ الجمعي"، والتاريخ الثقافي، وإهمالًا للجانب الاقتصادي. يقول نورا: "إننا نعيش عصر التفجّر التاريخي [...] لم يعد النص هو الوثيقة الأولى، فالنص غير المدوّن والأثريات والصور والتقاليد الشفوية توسّع مجال التاريخ. فالأعراض المتغيرة لدى الإنسان (جسده، غذاؤه، لسانه، تصوراته، أدواته التقنية والذهنية) التي كانت مهملة أصبحت الخبزَ اليومي للمؤرخين".
صدر كتاب الاشتغال بنسخته الفرنسية بين عامَي 1974 و1978 في ثلاثة أجزاء متفرقة؛ هي: 1. الاشتغال بالتاريخ: مشكلات جديدة، 2. الاشتغال بالتاريخ: مقاربات جديدة، 3. الاشتغال بالتاريخ: موضوعات جديدة، وقد جمع 31 بحثًا لكتّاب يتميّز كل منهم بأسلوبه وعقليته وثقافته ومنهجه، اختارهم المشرفان نورا ولوغوف ليكتبوا "دستورًا" للتاريخ، الذي يبقى على تنوعه موحدًا.
تعود شهرة مدرسة الحوليات إلى اهتمامها بعرض التاريخ الذي يدرس "الذهنيات" المفضية إلى دراسة السلوك والمشاعر والتصورات، كالعادات اليومية والتصرفات المُستعادة والتعبيرات اللاإرادية والموت والزواج والعائلة والجنس والجسد والصحة والتغذية والقرابة والمصاهرة. وبناء عليه، نشأ على هدي البنيوية تيار تاريخي اهتم بالأنثروبولوجيا، وطُبق على الحضارات القديمة، ولا سيَّما الإغريقية، فقدّم جان-بيير فرنان Jean-Pierre Fernand وبيير فيدال-ناكيه Pierre Vidal-Naquet ومارسيل دوتيان Marcel Detienne، ولوي جيرنيه Louis Gernet تطبيقات أنثروبولوجية متميزة في هذه الحضارة.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد