-
/ عربي / USD
في لحظة التوحد الكارثية، تراجعت كل العناصر المعبرة عن الحياة المدنية ورموزها، وفقد العراق بذلك كل توصيف له، وأي علامات فاصلة بين سلطاته الثلاث أو تجلياته الاجتماعية التي اندمجت وتوحدت في الوحدانية المطلقة للطاغية. ومنذ تحقق ذلك أصبحت القيم والمبادئ والآمال والأهداف لا قيمة لها إلا بمقدار ما تعكس أو تعبر عن كينونة القائد الضرورة ونواياه ومتطلباته. ولهذا كان خلافاً للمنطق أن تسقط سلطة البعث أو قائده من دون أن تتداعى وتسقط كل أركان الدولة و«الوطن» الذي أصبح كل منها كياناً متداخلاً غير قابل للتجزئة عن الكيان «الحاضن» بعد أن وحدها صدام بـ«ذاته وإرادته» وأخضعها لنزواته ومشيئته المطلقة. ولا غرابة في أن الشركاء في وليمة الحكم ما بعد صدام لم يتعرضوا للتبعيث في جانبيه هذين، إذ اختفت المواطنة في طيّات الطوائف واختفت مظاهرها بحكم المصاهرة مع كل التكوينات الملفقة الطارئة في الحياة السياسية والاجتماعية.
وذابت عناصرها في كينونات تدمر النسيج الاجتماعي وتفكك الهوية الوطنية وتحولها من «تنوع خلاق في إطار وحدة إنسانية» الى تنوعات فرعية مشوهة، وكذلك حولت بقايا الدولة الى مستعمرات وكانتونات طائفية «حزبية» وجردتها من كينونتها وحالت دون إعادة استقلاليتها النسبية، وهو ما سيعيق إعادة بنائها كدولة مؤسسات وحريات ومواطنة حرة.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد