-
/ عربي / USD
تجلسين مُتحجِّرةً جُلّ الوقت في كُرسيِّكِ تتأمّلينني. بتِّ مُصابة بحالة شديدةٍ من التهاب الجِلد في يديكِ لم تكوني مُصابةً بها قطّ، حتّى إنّكِ تحكّين يديكِ بأسنانِكِ. أحاول أن أريحَكِ، ولكنّكِ –ما تذكّرتُ هذه الخصلةَ فيكِ إلا الآن– تجِدينَ الراحة تعَباً. ترفضين الشايَ الذي أجلبه لكِ، وترفضين تناول الطعام، وترفضينَ شربَ الماء إلّا قليلاً. تنهالينَ عليّ ضرباً، حينَ أقترب منكِ، بالوسائد. ‹كفاكِ! لا تلاطفيني! اتركي ذلك!›. فأفعَل كما تشائين. أجلسُ إلى الطاولة الخشبية الصغيرة قبالتكِ في كرسيِّكِ، وأنصِتُ إلى حديثِكِ. لديكِ قوّة احتمالٍ رهيبة تُبقينا مستيقظَتَين ليالٍ بلا استراحة. أحياناً تقولين: ‹إنّي ذاهبة إلى الحمّام› وتنهضين من كرسيِّكِ، كما تنهضُ النائحةُ من جانب قبرٍ، نافضةً بيديكِ غباراً خفيّاً عن سراويلِكِ الذي أعَرتكِ إيّاه. ‹إنّي ذاهبة الآن› تقولين دانيةً من السلالم بوقار، ثُمَّ تلتفتين إليَّ كأنّك تقولين إنّكِ لن تقدري على إكمال المسير بدوني، فهذه ليست قصّتي ولذلكَ كان لزامًا عليّ الانتظار حتّى تعودي إليّ. تُخبرينني، في منتصف الطريق صعوداً السلالِم، أنَّ على المرء التّسليم بأخطائه والتعايشَ معها. أفتحُ أحدَ الدّفاتر التي اشتريتُها وأسجِّلُ فيه كُل شيءٍ أتذكّره. تبدو كلماتُكِ مُسالمةً على الورق، كأنّها منزوعة الفتيل.
لم أفتأ أفكِّرُ في أثرِ ذكرياتِنا، أيظلُّ باقياً كما هوَ أم يتغيّر كُلّما أعَدنا كتابةَ تلك الذكريات بمرور الوقت. أذِكرياتُنا راسخة كالبيوت والمنحدرات، أم سريعةُ التقوُّض والاستبدال والتمَوُّه. إنَّ كلَّ ذكرياتِنا تُنقَل، وتُستَذكَر، فلا تعودُ مماثلةً لحقيقتِها التي كانت. وذلكَ يُثقِلُني ويؤرّقُني: أنّي لن أتيقَّن أبداً ممّا حدث.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد