-
/ عربي / USD
الحكمة اليونانية قبل أفلاطون هي حكمة شاركت فيها ثقافات البحر الأبيض المتوسط، لم يكن هناك شيء اسمه ثقافة أوروبية (غربية) ولا ثقافة شرقية، وحكماء اليونان قبل أفلاطون ازدهروا في المدن الأقرب لشمال افريقيا وفي غرب آسيا، وليس في المدن اليونانية الرئيسة، لا أثينا ولا غيرها. لكن الثقافة بشكل عام تأخذ في التاريخ مصائر غير متوقعة.
اجتهد أوربيو العصر الحديث على تأويل فكر تلك المرحلة وفي جعلها بداية أصيلة للفكر الإوروبي اللاحق، لم تكن تلك المرحلة هي كذلك في وقتها ولكنها صارت كذلك بفضل الحيوية الثقافية التي أدمجتها في تاريخها الخاص، الرومانسيون الألمان وهيغل ونيتشه وهيدغر وعشرات من دراسات باحثين كبار. الأمر الذي يعني أن الثقافة ليست دائمًا مُلك من يُنتجها ولكنها ملك من يعيد تأويلها ويضمها إلى حظيرته.
هذا الكتاب ليس كتابا مدرسيا يريد التعريف بآراء الحكماء اليونانيين بطريقة جديدة. ولكنه يريد أن يكون مقدمة أولى لكل فلسفة، ومن ضمنها الفلسفة الإسلامية بالمعنى الواسع لكلمة فلسفة. لن يذهب هذا الكتاب إلى تأويل الشذرات التي وصلتنا لتناسب أفكارا جاءت بعدها كما فعل هيغل بتأويله "وجود" بارمنيدس، ولكن هذه الشذرات ستكون بالنسبة لنا نوافذ تشرف على أسئلة شغلت ثقافات المتوسط كلها، وبقيت تشغلها ربما حتى اليوم. إن انشغالنا في هذا الكتاب هو في التعرف على الأسئلة الكبرى التي أقلقت حكماء الثقافة قبل أفلاطون. من أين جاء العالم، وكيف تشكلت أشياؤه المفردة؟ ماهي طبيعته؟ وماهو العنصر الإنساني المناسب ليكون عنصرا كونيا يتحكم في العالم كسلطة كونية، هل هو الحب أم النور أم العقل أم الكلمة؟
لن يتوقف عملنا على المنازعة في حصتنا من ميراث الإجابات، فنأتي بشاهد من هنا وآخر من هناك للبرهنة على ملكية فكرة قيلت، ولكننا نريد حصتنا من القلق ونصيبنا من الأسئلة، نريد اليقظة والصحو والفعل ورفض الوهن الثقافي، نريد استئناف تأويل هذا القلق (الأسئلة) لنصله مع القلق نفسه الذي شغل المفكرين المسلمين، والذي يشغلنا نحن اليوم أيضاَ.
مازالت الأسئلة راهنة ومازالت الإجابات تتعاقب عليها، ومن حقنا أن نشق مسارات وسياقات أخرى نشرح فيها التاريخ المتعرج لإنتاج الإجابات، ونعلن عن قدرتنا على توليدها أيضاً.
مع اعتمادنا البحث عن الأسئلة تضمحل ثنائية شرق/غرب التي صارت معيارا لفرز الثقافات، وتتراجع فكرة الفصل الحاد بين اللوغوس والميثوس في تحديد طبيعة الحكمة القديمة، كما يمكننا إعادة ترتيب المدارس الفلسفية قبل أفلاطون بطريقة غير معتادة، إذ تحل مدينة السؤال محل المدينة الجغرافية وتزول القسمة التقليدية بين مدرسة أيونية وأخرى إيلية.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد