"يمتد البحر شاحباً ولامعاً، لا يستطيع التحدث. تلعب السماء بألوان حمراء، صفراء وخضراء لعبة المساء الأبدية والصامتة الخاصة بها. هي أيضاً لا تستطيع التحدث. الجروف وصخور رصيف الشاطئ التي تجري في البحر، كما لو أنها تريد أن تجد المكان الأكثر عزلة، كلهم لا يستطيعون التحدث".
إنما هي صورة يرسمها نيتشه للطبيعة التي تحيط به، طبيعة صامتة تثير يأسه ويحاول بجهد أن يستقي منها كلمات تثلج صدره وتبث الهدوء في روحه.
لقد إخترنا هذا المقطع لتجلّي أسلوب الكاتب الذي عُرف على أنه عالم في اللغات قبل أن يكون فيلسوفاً في أجمل صوره في هذا الكتاب الفلسفي الذي سمّاه نيتشه الفجر الذي ينبثق أخيراً بالحديث عن الأخلاق. أخلاقٍ بحيث عن أصولها وفضّل في مصادرها حيث نقض منها الكثير وعاد في لحظات ما إلى الإغريق ليرسي جزءاً من تعاليمهم. فأيّ من منابع الأخلاق حازت على رضاه وأيّ منها حاول إقصاءه.