-
/ عربي / USD
ينقسم الناظرين في أمر الاعتقادات الدينية من الفلاسفة المعاصرين إلى فريقين: فريق أخلاف "ويليام كليفورد"، و"برتراند رسل": وهو فريق الفلاسفة الحجيين الذين عزموا على تشييد نزوعهم الفلسفي على أمرين: أـ لا اعتقاد من دون حجيّة كافية؛ ب ـ مدار معيار الاعتقاد على الحق. فريق أخلاف "ويليام جيمس"، و"فتجنشتين": وهو فريق الفلاسفة اللّا-حجيين الذين عزموا على تشييد نزوعهم الفلسفي على أمرين: أ ـ لا حاجة للاعتقاد بسيرورات المحاججة والتدليل؛ ب ـ مدار معيار الاعتقاد على الأسباب العمليّة. الأمر الذي أفضى إلى بروز ثلاثة توجهات رئيسية: موقف إثبات يرمي إلى إقرار الاعتقادات الدينية بتوسل اعتبارات إبيستِمية-أخلاقية: الاعتقادات الدينية حق. لذا، يحق للإنسان أن يحمل نفسه على الاعتقاد؛ موقف نفي يرمي إلى إبطال الاعتقادات الدينية، بتوسل اعتبارات إبيستِمية-أخلاقية: الاعتقادات الدينية باطلة لا أساس لها من الصحة. لذا، يحق للإنسان أن يحمل نفسه على الامتناع عن الاعتقاد؛ موقف وقف يمتنع عن إصدار الحكم إزاء الاعتقادات الدينية: تعليق الحكم. لا ريب في أنّ قوام الاعتقاد هو الحقيقة، إذ ثمة رابط داخليّ يجمع كلّا منهما؛ ونقصد وجود خيط ينظم مفاهيم: الاعتقاد، والحقيقة، والتسويغ. لذا، فإن أيّ محاولة تهدف إلى الفصل بينها قد تؤدي إلى فقدان معناها. ومن ثم، تقوم أخلاقيات الاعتقاد وأخلاقيّات البحث والتقصي على وجوب الالتزام بمعايير ذات طابع إبّيستِمي صرف، الأمر الذي يقتضي معرفة البعد المعياري للمفاهيم المركزيّة التي تشيّد على إثرها سيرورة البحث والتقصي الفلسفيين؛ ونقصد مفاهيم: «الاعتقاد»، و«الحقيقة»، و«التسويغ»، فضلًا عن مفهوم «القيمة». لذا، يمكن القول إن الفلسفة تتضمن مضامين تتخذ صورة اعتقادات ومقولات وتعبيرات تحتمل الصدق كما تحتمل الكذب. بيد أنَّ الناس الذين يتحدثون عن الأخلاقيَّات في أيامنا، يغفلون وجود أخلاقيات للاعتقاد وأخلاقيات للمعرفة وظيفتها صوغ قيم معرفيّة مخصوصة وتقويمها. هل يحق للإنسان أن يحمل نفسه على الاعتقاد؟ هل يحق للإنسان أن يحمل نفسه على الامتناع عن الاعتقاد؟ سؤالان يؤدي طرحهما إلى تحويل إبيستِمولوجيا الاعتقاد إلى ضرب من ضروب أخلاقيَّات الاعتقاد. علمًا أنَّ هذه الأخيرة لا تهتم بفحص خصائص الاعتقاد وسماته كما هو الشأن بالنسبة إلى إبّيستِمولوجيا الاعتقاد، بقدر ما تهتم بفحص السُّلوكات والتصرُّفات وأنماط العمل والفعل والعادات والرّذائل والفضائل.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد