كان القدماء والمحدثون يلجؤون في تفسير بعض التغيرات الصوتية إلى القول بالخفة والثقل, أو اليسر والسهولة, على اختلافٍ بينهم في ما يصدرون عنه تبعًا لاختلاف مناهجهم.

لقد كان النحاة العرب القدماء يتخذون من طلب الخفة علةً يفسرون أو يعللون بها كثيرًا من مسائل اللغة في مختلف مستويات الدرس اللغوي.

والمحدثون يذهبون المذهب نفسه, غير أنهم يعدّون التخفيف أو السهولة قانونًا أو اتجاهًا, ويخصّونه بتفسير التغيرات التي تحدث في المستوى الصوتي للغة.

وكان المحدثون, تاريخيين ووصفيين, مختلفين في الأخذ بهذا التفسير؛ ذلك أنه يمثل غايةً من الغايات اللغوية, إضافةً إلى أنه تفسير من خارج اللغة لعدد من التغيرات الصوتية الداخلية للنظام اللغوي في مستوى الاستعمال.

ويهدف هذا الكتاب إلى الكشف عن القضايا الآتية:

أولها: التعرف على جهود القدماء وإدراكهم لهذه الظاهرة, وتفسيرهم للتغيرات الصوتية اعتمادًا على علة التخفيف أو الاستثقال, ومحاولة عرض ذلك على ضوءٍ من علم اللغة الحديث.

وثانيها: محاولة معرفة مقدار الثقل والخفة في العربية, ومن ثم عرضها على المبادئ اللغوية العامة كثقل الأمثال, وثقل المتنافرات.

وثالثها: محاولة الإجابة عن سؤال يتمثل في: هل الخفة في اللغة أمر مطلق أو نسبي؟ وسؤال آخر هو: هل طلب الخفة من الثقل أمرٌ صوتي, أو أمرٌ تخضع له جميع مستويات الدرس اللغوي؟.