منذ خمسة عشر عامًا مات والده. قتل نفسه برصاصة مسدس كان قد اشتراه ذات يوم للدفاع به عن نفسه وليس لقتل نفسه. اخترقت الرصاصة صدغه ليفارق الحياة التي أدهشته بكلّ ما فيها من دهشة وأدهشها بتلك الرصاصة بكلّ ما فيها من مباغتة غير متوقعة لأيّ أحد ما عدا أخته سعاد.كان العالم مُدهشًا...
منذ خمسة عشر عامًا مات والده. قتل نفسه برصاصة مسدس كان قد اشتراه ذات يوم للدفاع به عن نفسه وليس لقتل نفسه. اخترقت الرصاصة صدغه ليفارق الحياة التي أدهشته بكلّ ما فيها من دهشة وأدهشها بتلك الرصاصة بكلّ ما فيها من مباغتة غير متوقعة لأيّ أحد ما عدا أخته سعاد.كان العالم مُدهشًا بالنسبة إليه حتّى على مستوى كسر بيضة في مقلاة، وكان يضحك كثيرًا كلّما كسر بيضة في مقلاة أو كلّما رأى أخته سعاد تكسر البيض في المقلاة، وكانت تشاركه هذه الضحكات دون معرفة دقيقة للسبب الذي يقوده للضحك في هذا الموقف.لقد قتل عاصم التل نفسه في مكتبه ممدّدًا على الأريكة التي بجانب النافذة المُطلّة على شارع طويل. أمّا النافذة الثانية فلقد كان يستطيع من خلالها رؤية البناء الذي يحتوي على شقته التي يعيش فيها مع زوجته رحاب وولده عمران وابنته جيداء وأخته سعاد.لقد قتل نفسه في ليلة شتائيّة عاصفة، زاد انقطاع التيار الكهربائيّ من كآبتها واضطرابها. كلّ ما يدور كان يشير إلى أنّ شيئًا ما سيحدث في تلك الليلة. كانت السماء تتكسّر مثل وعاء زجاجيّ بداخله حمم بركان صغيرة تتحرك باتجاهات متعاكسة مصطدمة بعضها ببعض. تهشّمت مظلّات القصب التي كانت فوق أسطح الأبنية، وأجهزت الأمطار الغزيرة على بقايا الطلاء القديم المتشقّق على الجدران الخارجيّة لبعض الأبنية المهجورة، ليكون مصير هذا الطلاء ضمن سيول انحدرت نحو المنخفضات والزوايا التي صارت على شكل برك من الماء تطفو عليها الأكياس والأوراق وعُلب السجائر والكبريت والكثير من أعقاب السجائر.كانت ليلةً موحشة.