إنَّ ما دعاني إلى الانصراف، إلى جمع ما كتبته وما ألقيته، خلال الحقبة الزمنية المتراوحة بين تخوم عامي 1995 و2005، هو ما طالعني من كمّ، ليس بالقليل، من أوراقي الخاصة المطوية في أدراج مكتبي، حتى ضاق بها، وقد بدأ التآكل يتسلَّل إلى أطرافها ويهدِّد متونها بالتلف، فعزَّ عليَّ ذلك...
إنَّ ما دعاني إلى الانصراف، إلى جمع ما كتبته وما ألقيته، خلال الحقبة الزمنية المتراوحة بين تخوم عامي 1995 و2005، هو ما طالعني من كمّ، ليس بالقليل، من أوراقي الخاصة المطوية في أدراج مكتبي، حتى ضاق بها، وقد بدأ التآكل يتسلَّل إلى أطرافها ويهدِّد متونها بالتلف، فعزَّ عليَّ ذلك كثيراً، ما دعاني إلى محاولة إنقاذها، ليس لكونها ذات وزن ثقيل في ميزان القيمة الأدبية أو الفكرية أو الثقافية بل لكونها تمثلني، رأياً وموقفاً، من تلك الأحداث والمتغيرات والتحديات التي حفلت بها تلك الحقبة، بسنواتها العشر، من تاريخ لبنان المعاصر. إنَّ مضامين فصول هذا الكتاب الخمسة، تفصح، إلى هذا الحد أو ذاك، من الإبانة والتوفيق، عن قراءتي الشخصية لطبيعة تلك المرحلة الزمنية وتجلِّياتها، في مخاضات الأحداث وعصف المتغيرات والتداعيات، وذلك منظوراً إليها من زاوية رؤيتي الذاتية التي لا أدَّعي لها الصواب، في المطلق، بل هي تخضع لقانون النسبية الذي يتسع، في أحكامه، للقبول بالخطأ والصواب، في ما يصدر سواءً عن الفرد أم الجماعة، من قولٍ أو فعل، في حيِّزين محدَّدين من الزمان والمكان.. أما عنوان كتابي هذا فقد اقتبسته، من مَثلٍ، ذي دلالة، من أمثال العرب القديمة الشائعة، هو: كصائحٍ في واد ونافخٍ في رماد. وإذْ اخترت مجزوء هذا المثل فليس، من قبيل الإدِّعاء بفرادة صياحي في وادي لبنان، بل لكون صياحي، كما أزعم، مجرد رافد متواضع من روافد الصياح الذي يَهدُر، منذ ما يزيد على سبعة عقود، في وادي الوطن، من غير أن يخلِّف صدىً مثمراً في أسماع المسؤولين عن لبنان على مرِّ عهودهم المتعاقبة…