"ابنة من بدرية؟! أجابوا وكأنهم لا يخفون سراً: ابنتنا جميعاً.. وحذرونا من أن نسألها نفس السؤال: "يمكن تزعل".. ولذا لم نسألها وأصبح هذا الأمر ميزة من ميزات بدرية، التي لا يملكها أحد منا، والانتشينا بالغموض، وازدتد هيامنا وتعلقنا بها، وحتى أهلنا يحبونها، فهي تساعد الجميع في...
"ابنة من بدرية؟! أجابوا وكأنهم لا يخفون سراً: ابنتنا جميعاً.. وحذرونا من أن نسألها نفس السؤال: "يمكن تزعل".. ولذا لم نسألها وأصبح هذا الأمر ميزة من ميزات بدرية، التي لا يملكها أحد منا، والانتشينا بالغموض، وازدتد هيامنا وتعلقنا بها، وحتى أهلنا يحبونها، فهي تساعد الجميع في الأفراح، فتمشط شعور البنات، وتكنس أفنية المنازل وترشها بالماء، وتوزع المرطبات والقهوة وتسخن الدفوف، وترقص، وتبعد الصبيان الفضوليين. وعند المأتم أيضاً تقوم بالواجب فتواسي أهل الميت، وتقوم بجميع ما يحتاجه أهل البيت. وكانت النساء يبعثنها لتأتي بالحاجات من الدكان أو من جارة بعيدة، كما كانت الفتيات العاشقات يرسلن معها مناديلهن أو رسائل غرامية مكتوبة أو شفوية إلى الشباب الذين يحبونهم، كما كانت ترتب مواعيد اللقاءات وتصالح بين المحبين المتخاصمين، وكانت سبباً في تسهيل زيجات كثيرة في الحي. كما كانت تساعد الداية "أم شملان" عندما يأتي الطلق إحدى نساء الحي ويحين وقت ولادتها، تغلي الماء وتمزق الخرق، وكانت أول من ينقل الخبر إلى الزوج -الذي يحرص على أن بيدو غير مكترث- كي تحظى بالبشارة. كنا نجدها في كل مكان.. في البيوت، على الشاطئ، في الحارة، في أحلامنا، حتى أصبحت بدرية جزءاً منا ملتصقين بها كحياتنا، ملتصقة بنا كجلودنا. أتت بدرية.. أتت بدرية.. اقتربت بثوبها الأحمر: ماذا تريدون أن تلعبوا؟ فتعالت أصواتنا وتقافزنا، واختلفنا وغضبنا من بعضنا، فالفتيات يردن لعبة "الثعلب فات"، وبعضنا يريد حكاية، وعددنا بعض الألعاب التي نحبها، ولكن بدرية قالت بطريقتها المشوقة، المملؤة سحراً وخيالاً: في هذه الليلة ينعس القمر ينعس.. فتأتي غيمة بيضاء فيبتسم نائماًن ثم تأتي غيمة صفراء فيتململ، ثم تأتي غيمة حمراء فينتشي، ثم تأتي غيمة سوداء فيصحو خائفاً ويدرك أنه كابوس وغيمة وتعدي، وأن الشمس في الصباح ستبدد هذه الغيمة فيزهو بنوره مرة أخرى في ليالي العشاق والبحارة