… في وسط هذا التخلُّف الرَّابض على صدر بلاد عاملة عاش الشيخ موسى جواد السُّبيتي طفولته ويفاعته، لكنَّ بيئته الأسرية كانت غنيّة بمصادر الثقافة بشقّيها: الثقافة الدينية المختصة، والثقافة اللغوية العريقة، فوالده الشيخ جواد السبيتي ابن الشيخ علي السبيتي أمَّن له جواً أدبياً...
… في وسط هذا التخلُّف الرَّابض على صدر بلاد عاملة عاش الشيخ موسى جواد السُّبيتي طفولته ويفاعته، لكنَّ بيئته الأسرية كانت غنيّة بمصادر الثقافة بشقّيها: الثقافة الدينية المختصة، والثقافة اللغوية العريقة، فوالده الشيخ جواد السبيتي ابن الشيخ علي السبيتي أمَّن له جواً أدبياً عن طريق تيسير سُبل مطالعة أمّهات التراث العربي شعراً ونثراً، إضافة إلى إعداده نحواً وبلاغة ومنطقاً، تمهيداً لإرساله إلى النّجف، ليكون طالباً في الحوزة النجفية الدينية والعلمية معاً. … لكن الشيخ موسى، رحمه الله، لم يقصر معرفته على العلوم الدينية التي برعَ فيها براعة عالية، بل جال قلمه في حقول المعرفة الحضارية عامّة، فكانت له آثار مرموقة تدل على طول باعه في الميدان الثقافي وقدرته على مناظرة شخصيات التراث ومدارسه الفكرية، التي حاورها في معتقداتها وأفكارها كأخوان الصّفا في رسائلهم، والفارابي في مدينته الفاضلة وعبد الحميد الكاتب في نظرياته الاجتماعية ورأى أن جميع هؤلاء لم يستطيعوا أن يقيموا المجتمع الفاضل في أوساطهم الفكرية أو السياسية، وهذا الفشل الذريع لهذه الدعوات هي التي دفعته إلى تأليف كتابه "المدينة الفاضلة عند العرب" التي كانت صورة تركيبية للنظرية السياسية المثالية مع أنها تتضمّن شطحاتٍ نقدية تحليلية. (من المقدمة)