كلمة عن الرواية ما يزيد على خمس وعشرين رواية سورية صدرت في السنوات الخمس الفائتة تنتمي إلى ما يصحّ الاصطلاح عليه برواية الحرب على سورية وفيها، وقد عنيت تلك الروايات جميعاً، وبنسب متفاوتة فيما بينها، بمقاربة هذه الحرب من غير منظور نحوها اعتقدَ امتلاكه حقيقة ما جرى طوال تلك...
كلمة عن الرواية ما يزيد على خمس وعشرين رواية سورية صدرت في السنوات الخمس الفائتة تنتمي إلى ما يصحّ الاصطلاح عليه برواية الحرب على سورية وفيها، وقد عنيت تلك الروايات جميعاً، وبنسب متفاوتة فيما بينها، بمقاربة هذه الحرب من غير منظور نحوها اعتقدَ امتلاكه حقيقة ما جرى طوال تلك السنوات، وما قبلها، وسعى كلّ من أولئك الروائيين، وكلٌّ من موقفه من الحرب، ومن قبلُ موقفه من النظام السياسي في سورية، إلى تأكيد أنّه يكتب تاريخ سورية الحديث من خلال فنّ الرواية الذي لطالما عدّه غيرُ ناقد تأريخاً غير مباشر لمرحلة محدّدة من حياة هذا المجتمع أو ذاك. وباستثناءات قليلة تكاد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة حاول عددٌ من الأعمال الروائية التي تنطوي تحت عباءة المصطلح المشار إليه آنفاً كتابة النزيف السوريّ من دون موقف مسبق من أيّ من القوى الفاعلة فيه، ومن هذه الأعمال هذه الرواية التي يمكن وصفها بالشاهد الحقّ على ذلك النزيف، كما يمكنُ وصفُ مبدعها بالمؤرّخ العدل الذي لا يعنيه من كتابة التاريخ ما يشاء كتابته بنفسه، بل الأحداث التي صنعت هذا التاريخ، أو تصنعه، أي كما جرت أو تجري حقيقةً، لا كما جرت أو تجري وفق مشيئة سابقة على فعل التأريخ نفسه. في هذه الرواية غيرُ شخصية مركزية: مهيار، الصحافيّ الدمشقيّ الذي لم يكن قلمه يهدأ عن مطاردة الفساد والفاسدين، ولذلك اختار الانحياز إلى “الثورة” منذ أيامها الأولى، ثمّ جمانة، زوجته التي تنتمي إلى مدينة حلب، والتي شاءت أن تكون، عبر عملها في الصحافة أيضاً، شاهدة على “الثورة” وجزءاً منها، ثم أريج، الصحافية أيضاً، ابنة دمشق كمهيار، التي يمكن عدّها الصوت المعادل للضمير الشعبيّ الذي لم يكن يعنيه من الأحداث سوى سورية الوطن والدولة والمؤسسات، وأخيراً شام، ابنة مهيار، الطالبة في مرحلة الدراسة الثانوية، التي تتجلّى داخل الرواية بوصفها ضحية الجميع، كما الشام نفسها، بل كما سورية نفسها. وعبر هذه الشخصيات، وسواها ممّا يتناسل في المحكي الروائي من شخصيات غيرها، يتعالى نشيد الكتابة عن النزيف السوريّ، وقائعَ وأحداثاً وشهادات، متردداً بين غير إيقاع إنسانيّ تتضاد معه، ومن خلاله، قيم الحبّ والكراهية، والجمال والقبح، والذات والموضوع، وتتردّد معه ومن خلاله أيضاً مراثِ باهرة في تشكيلها السرديّ عن وطن أثخنته الحرب بغير خنجر في جسده، حتى كادت تحوّله إلى أشلاء يتناهبها الحريق من جهاتها جميعاً. هذه الرواية مدوّنة إبداعية سورية عن النزيف السوريّ، جديرة بالقراءة من جهة، وعلامة في المدوّنة السردية المعنية بهذا النزيف من جهة ثانية.