كان وهو يتحدّث عن البئر يوغل في الحديث حتى يختفي عن الأنظار كأنما يتدلّى في عمقها. يحكي كل ما يخطر بباله، عن أيّ شيء. أحيانًا يتحوّل إلى صوت مطلق يتشكّل في هيئة: نباح، عواء، نعيق، ثغاء. تعود هذه الأصوات بكثير من حكايات القرية المخبوءة في البئر. حينئذ يبدأ ينضح عرقًا كالدلو...
كان وهو يتحدّث عن البئر يوغل في الحديث حتى يختفي عن الأنظار كأنما يتدلّى في عمقها. يحكي كل ما يخطر بباله، عن أيّ شيء. أحيانًا يتحوّل إلى صوت مطلق يتشكّل في هيئة: نباح، عواء، نعيق، ثغاء. تعود هذه الأصوات بكثير من حكايات القرية المخبوءة في البئر. حينئذ يبدأ ينضح عرقًا كالدلو حين يفيض ماء بعد رحلة عميقة في دهاليز البئر. البئر تشكّل ذاكرته على نحو لا يستطيع الفكاك منه ؛إذ يحيل كلّ ما يريد شرحه إلى فوهة البئر، في حديثٍ يعبر الأزمنة بسرعة الضوء، منذ أوّل ضربة على الأرض إلى آخر ضربةٍ استجاب لها الماء. يشرح دائمًا هذا الموقف بأنّه معنى من معاني الدحو واستخراج الأشياء النفيسة من معادنها، ثم يعقّب بثقةٍ، بعد نفثة دخانية كثيفة: «الماء معدن الأشياء».