رأيت بأم العين الطائرات الإسرائيلية تقصف المخيم. في ذلك اليوم من سنة 1974 استشهد “الفدائي” الفلسطيني عماد ورأيت سعدى لآخر مرة، كانت تسير خلف والدها نحو منفى جديد. أعترف أن سعدى تتراءى لي كأنها قبس أو شعلة كلما استوقفني خبر أو حدث عن فلسطين. أتخيلها حاملة صرة على رأسها متجهة...
رأيت بأم العين الطائرات الإسرائيلية تقصف المخيم. في ذلك اليوم من سنة 1974 استشهد “الفدائي” الفلسطيني عماد ورأيت سعدى لآخر مرة، كانت تسير خلف والدها نحو منفى جديد. أعترف أن سعدى تتراءى لي كأنها قبس أو شعلة كلما استوقفني خبر أو حدث عن فلسطين. أتخيلها حاملة صرة على رأسها متجهة نحو الشمال. لم تصدق النبوءات. هي ليست عائدة إلى سهل الحولة وإنما منفية من المنفى. يأتي رجع الصدى من بعيد. كانت المساحة المتبقية لسعدى تذوب كلوح الثلج بين حرب الجنوب وحرب بيروت. حربان التقيتا في مخيمي صبرا وشاتيلا. أين كانت سعدى في سنة1982؟ لم تبقَ المجزرة عناوين، محت الحدود، تداخلت الحياة والموت، صارت كلماتنا جامدة كالحجارة نجلس عيها ونبني بواسطتها أسواراً من حولنا. لا شك في أني أحببت سعدى، لولا ذلك لما شعرت بحبي لها بعد ثلاثين سنة. كنت في مقهى في باماكو، مرت شابة في الشارع المحاذي، كانت تشبه سعدى عندما التقينا قبل ثلاثين سنة.