…قلت في نفسي: «كم هي رضية وراضية هذه البلدة.. ترضى بالقليل لأن الله خلق أبناءها متواضعين في كلّ شيء. في مسكنهم ومأكلهم وملبسهم وفي أعمالهم. يجاهد الابن قبل الزواج ليبتني غرفة ترابية يلصقها ببيت والده.. أو يبنيها في مكان آخر.. يساعده الناس على إشادتها.. ما أروع منظرهم وهم...
…قلت في نفسي: «كم هي رضية وراضية هذه البلدة.. ترضى بالقليل لأن الله خلق أبناءها متواضعين في كلّ شيء. في مسكنهم ومأكلهم وملبسهم وفي أعمالهم. يجاهد الابن قبل الزواج ليبتني غرفة ترابية يلصقها ببيت والده.. أو يبنيها في مكان آخر.. يساعده الناس على إشادتها.. ما أروع منظرهم وهم يتعاونون على نقل الحجارة ورصفها.. وحمل التراب الذي يتحوّل إلى طين ممزوج بالتبن ليبقى قوياً.. ما أصفاهم وهم ينسّقون جذوع الشجر، ليكون سقفاً قويّاً مغطّى بطينهم المصنوع بأيديهم… وبرجا تحبُّ الحياة في الحياة.. تبحث عن الليالي الملاح والنهارات المشتعلة بالرحيل إلى مكامن الاعتزاز بالأفعال، ترتاح إلى ماضيها العريق الزاخر بالموجودات والعابق بالذكريات، تنتظر الآتي لعلّه يأتي بالخبر.. تعمر بالقلوب المسافرة في مدائن التاريخ وجولات البشر، سواء أكانوا على أرضها أم على أرض الناس الآخرين… تبتكر السهر والأنس والسمر، لتبقي العلائق وطيدة والساعات نابضة بالحياة، مليئة بالقول والنظر والحكايا الألف وحكمة السفر… تأكل مما تزرع، وتلبس مما تصنع، وتتدفأ بما تحيك وتزرع… تتجمّع وتتفرق، تعاودها الولادة… وتبقى في الصور، كتاباً مقروءاً وطيبة في نفسٍ تباهي بها البشر… تدخل الديار ملآنة عبر، وتخرج من الأبواب وقد تركت أحلى الأثر.. لا شيء عندها أثمن من الوطن… تستشهد في سبيله… تزرع تاريخاً لا يُنسى… قضايا عادلة وهمومها مستنفرة إلى أن يشاء القدر… تُعطي وقلّما تأخذ… تبقى في الحكايا سبيلاً للخير وعبرة لمن اعتبر…