ضمن مشروع "استشراف مستقبل الوطن العربي" تحتل قضايا التنمية العربية أهمية مركزية وتمثل أحد المحاور الرئيسية الأربعة فيه، لأنها تبحث وتعالج متغيرات القاعدة المادية الإنتاجية التي تدور على أرضها كل التفاعلات والصراعات والجدليات الاجتماعية والداخلية. فحجم هذه القاعدة المادية-الإنتاجية وتطورها، والطرائق التي تخصص بها مواردها، وتلك التي يتم بها توزيع عائدها، كلها أمور ذات تأثير مباشرة أو غير مباشر في حاضر المجتمع العربي ومستقبله. وهذا الكتاب عن "التنمية العربية" يحاول استخلاص خبرة الماضي العربي القريب في التنمية خلال العشرين سنة الأخيرة، وحقائق الواقع التنموي المعاش، من أجل استشراف الخيارات المتاحة لتغيير الواقع وتحقيق ما يجب أن يكون عليه الوطن العربي.
يتألف هذا الكتاب من اثني عشر فصلاً يضمها قسمان رئيسيان، يتناول أولهما الاختناقات والقيود الموروثة ويعرض الثاني الفرص المستقبلية لمسارات التنمية العربية. ويعالج القسم الأول في فصوله التسعة أثر الانقلاب النفطي في الحياة الاقتصادية العربية، إلى جانب مواضيع أخرى منها تطور بنية الزراعة والصناعات العربية، ومجهودات التعاون والتكامل الاقتصادي العربي، أما القسم الثاني فيضم ثلاثة فصول تصور الاتجاهات الرئيسية المحتملة للتطور في الاقتصاد العالمي وفي العلوم وتطبيقاتها انعكاساتها على المستقبل العربي، ونظرة استشرافية لآفاق التطور الاقتصادي العربي.
وهذا الكتاب هو ثمرة جهد جماعي، وقد حرص فريق العمل فيه على الانطلاق من أرض الواقع، وطرح احتمالات مختلفة للمستقبل، ويركز على الخيارات الأكثر قرباً إلى التحقق في السنوات المقبلة. ولعل القارئ سيلاحظ مدى الصرامة الموضوعية التي تمسك بها فريق البحث ودرجة المسؤولية العلمية التي نظر من خلالها إلى آفاق المستقبل.