-
/ عربي / USD
يتناول الدكتور حليم بركات، ظاهرة الاغتراب مركزاً بصورة خاصة على المجتمع العربي حيث "يعيش الشعب –كما يقول- كابوساً لا حلماً... إنه محاصر، ودائرة الحصار تضيق باستمرار، فيضطر بفعل اليأس إلى الانشغال بتدبير شؤونه الخاصة، وتحسين أوضاعه المعيشية المادية على حساب كرامته وإنسانيته وطاقاته الإبداعية".
وإذا كان مصطلح الاغتراب ما زال في حاجة إلى جلاء أبعاده، فإن المؤلف حقق في فصول هذا الكتاب إنجازاً نوعياً متقدماً على هذا الصعيد عندما غاص في تفاصيل واقع الاغتراب، ما يجعل المصطلح أكثر اقتراباً من الوضوح والدقة العلميين، ولا سيما حينما بحث بمنهج نقدي "طبيعة العلاقات السائدة بين الإنسان والمؤسسات والأنظمة السياسية والأوضاع الاجتماعية العامة".
تناولت في هذا الكتاب ظاهرة الاغتراب مبيناً أن هذا المصطلح يركز على موضوعات مشتركة بين العلوم الاجتماعية والنفسية والإنسانية والفلسفة والأدب، وبخاصة في زمن الحداثة وما بعدها، ومع هذا ظل غامضاً لأسباب عديدة منها: تنوع تحديداته والنظريات التي يرتكز إليها. لذلك كان من الضروري أن أبحث بمنهج تحليل نقدي طبيعة العلاقات السائدة في المجتمع العربي المعاصر بشكل خاص انطلاقاً من الاهتمام بسؤال عام يتناول مدى سلطوية الأنظمة والمؤسسات، وما يتصل بها من نزوع نحو الاستغلال والتناقض والرفض من ناحية، أو المصالحة والمساومة والانسجام وخضوع الشعب لمشيئة القوى المسيطرة في المجتمع من ناحية أخرى.
وقد حاولت أن أظهر في هذا الكتاب أن المؤسسات الاجتماعية وبخاصة العائلية والدينية والاقتصادية منها، وهي هرمية قمعية في تنظيمها. قديماً قال ابن تيمية إن "الله خلق الخلق لعبادته"، وقد أصبح واضحاً أن سلطات الدولة والعائلة والدين والعمل تتصرف في واقع الأمر وكأن الشعب خلق لعبادتها وخدمتها واللامتثال الطوعي أو القسري لأوامرها ولإرادتها التي هي فوق كل إرادة أخرى.
وكما الإنسان الفرد والشعب، هكذا أصبح المجتمع نفسه عاجزاً، إذ فقد الكثير من مناعته وتحكمه بوظائفه الحيوية وموارده المادية والروحية في علاقته بالدولة التي تخضع بدورها لإرادة القوى الخارجية والعائلات الحاكمة المحلية.
وقد أظهرنا في فصول الكتاب أن حالة الاغتراب هذه تتصل بمشكلات التفكك الاجتماعي والثقافي والسياسي، وتدهور القيم، والتبعية الطبقية، والطائفية والفئوية والسلطوية، فتسود علاقات القوة والنزاع بدلاً من علاقات التعايش والتضامن والتفاعل الحر والاندماج الطوعي، ولا يقتصر التفكك على العلاقات بين الأقطار العربية في ما بينها، بل هو يسود داخل البلد الواحد في الوطن العربي، فتغلب النزاعات الفئوية على حساب الإنسان والمجتمع.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد