-
/ عربي / USD
"لا يزال بعض الموسوعات الفلسفية -العربية- (على قلتها) والغربية (على كثرتها)- يغفل إفراد مادة لابن خلدون، وبعض هذا الإغفال يبرر بأن ابن خلدون هو بالدرجة الأولى عالم الاجتماع الأول أو مؤسس علم الاجتماع وبالدرجة الثانية مؤرخ للحضارة.
وعلى سبيل المثال فإنه عندما كتب أستاذنا الراحل الدكتور عبد الرحمن بدوي موسوعته للفلسفة -التي نشرها في عام 1984- لم يجد حرجاً في أن تصدر من دون مادة باسم ابن خلون. لكنه لم يلبث -عندما أصدر ملحقاً لهذه الموسوعة في عام 1996- أي بعد 12 عاماً- أن أفرد لابن خلدون تسع صفحات كاملة تساوي عدد الصفحات التي خص بها مادة "التصوف الإسلامي" في هذا الملحق.
ابن خلدون عاد منذ سنوات يطل في الموسوعات الفلسفية وفي كتب الفلسفة، ولم يكن ذلك لمجرد الاحتفاء به في الذكرى الستمائة لوفاته (التي حانت في عام 2006).
وكما يشهد الكتاب الذي نضعه بين يدي القارئ في هذه الطبعة من "سلسلة كتب المستقبل العربي" فإن ابن خلدون يعود -ليس فقط من باب الفلسفة الذي أوصده بعضهم في وجهه- إنما يعود أيضاً من باب المعاصرة.
نحن في هذا الكتاب أمام ابن خلدون فيلسوفاً.. ومعاصراً. يطل كمشارك في قضايا الفلسفة كأنه معاصر لنا. وهذه سمة المفكرين الذين يتجدد فكرهم، بل يولد من جديد كلما بدا أن غبار الزمن سينهال عليه ويدفنه. هو فيلسوف في تناوله "العلمي" للتاريخ وفيلسوف في تناوله "الديالكتيكي" للحضارة، حينما لم تكن أي من فلسفة التاريخ أو فلسفة الحضارة قد ولدت بعد بالمعنى المعاصر لأي منهما".
وللحقيقة فإنه ما كان لابن خلدون أن يولد من جديد فيلسوفاً ومعاصراً بدون فكر وجهد باحثين أكاديميين يلقون الضوء على هذه الجوانب من فلسفته، على المعاصر منها.. أو لنقل يلقون ضوء المعاصرة عليها.
هذه هي مهمة هذا الكتاب الذي لم يقصد به -بداية- أن يكون كتاباً واحداً عندما ساهم فيه كل من الباحثين المشاركين... إنما يبقى الأثر ذاته، وكأنهم اجتمعوا على خطة عمل بقصد تحقيق هدف. لقد استطاعوا من غير قصد أن يصلوا بنا إلى هذه النتيجة: ابن خلدون فيلسوف حداثي عربي، بل فيلسوف معاصر عربي.
في الفصل من تأليف د.ناصيف نصار -الذي به يبدأ هذا الكتاب -تركيز على جانب مهم من مسألة الحداثة: أن الحداثة -وإن ارتبطت طويلاً ببعدها الأوروبي فإن علينا أن ندرك- وهذه مهمة أداها د.نصار على أكمل وجه -أن الحداثة الأوروبية ليست النمط الوحيد الممكن "لتحقيق الحداثة". واتخاذ ابن خلدون مدخلاً لحداثة عربية هو النتيجة المنطقية والمعرفية لبحث الفيلسوف ناصيف نصار، والسبيل إليه لديه هو العقل الحضاري.
والفصل بعنوان: ابن خلدون والفلسفة: تقييم نقدي -الذي كتبه د.محمد المزوغي يتركز على موقع ابن خلدون من الفلسفة، وهو يقدم فيه رأياً غير مألوف، يتسم بالجرأة، وإن كان يقول إن "الفلسفة عند ابن خلدون تساوي الكفر، تقود إلى الفساد وتؤدي إلى تحطيم الدين"... إلا أنه في ذلك كله يبقى في دائرة الفلسفة، في دائرة التفلسف، سواء اتفقنا معه في الرأي أو لم نتفق. وهذا ما قاد الباحث إلى المقارنة "الفلسفية" بين ابن خلدون والفارابي وابن سينا وابن رشد، العمد الرئيسية في الفلسفة العربية-الإسلامية.
بعدها يقدم د.جمال شعبان "قراءة جديدة في فكر ابن خلدون"، حيث اعتبر "المقدمة" نصاً فلسفياً وعكف عليها بهذه الصفة ليدرسها فعرف فيها فلسفة الحضارة وفلسفة التاريخ وفلسفة المعرفة عند ابن خلدون. ولا شك أن هذه قراءة لها خصوصيتها بعد أن انقضى على "المقدمة" أكثر من ستمائة سنة تقرأ كنص في علم الاجتماع أو في العمران الحضري.
يعني القسم الثاني هذا الكتاب بفلسفة الحضارة -من خلال فهم التطور المجتمعي كما درسه عالم الاجتماع العربي ذو الانتشار العالمي د.محمود الذوادي في بحثه "أضواء على علم الاجتماع الحضري الخلدوني". ويتميز هذا البحث باستنتاجات محددة ذات طبيعة معرفية -ابيستمولوجية- من نصوص لابن خلدون يظهر فيها المفكر العربي معنياً ومرتبطاً أشد الارتباط بمشكلاتنا المعاصرة: الثقافة -الفساد -الترف... الخ.
ويأتي قبله فصل يقارن ابن خلدون بعالم الاجتماع الفرنسي الأشهر مافيزولي في نظرية كل منهما في القبيلة، حيث يطالب الباحث- د.عادل بن الحاج رحومة- بعدم التوقف عند "المسافة النظرية والسياقات التاريخية والحضارية الفاصلة بين النموذجين"... عند "حد تواتر كلمة القبيلة في المؤلفين"... إذ تسجل القبيلة -كرابطة وكذهنية- حضورها المترامي الأطرف...".
ويأتي في الختام الفصل الذي يعنى -ربما للمرة الأولى- بدور اللغة في الهيمنة الاجتماعية للباحث د.محسن بوعزيزي. إنها دراسة لابن خلدون من زاوية نراه فيها يدخل مضماراً معاصراً بامتياز هو مضمار فلسفة اللغة وعلاقتها بالمجتمع والسياسة والأخلاق.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد