لا يزال العالم يتقلب من أزمة لأخرى، حتى يعلم الجميع أن النجاة تكمن في العودة إلى الرب سبحانه وتعاليم كتبه وهدى رسله.
والوحي الذي اكتمل برسالة النبي صلى الله عليه وسلم بنيان مرصوص يشد بعض أبعاده بعضاً. وكما ضرب الله له مثلاً: إنه كما شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
وإن أساس بنيان الوحي عرفان الرب وأسمائه الحسنى وسننه البالغة، ثم يعلو على قيم الخُلق الحسن التي تمد القلب الطاهر ببصائر تشمل كل أبعاد الحياة، إنها رؤى في معايش العباد، وفي علاقتهم بالطبيعة، وببعضهم، والتي تفيض من علاقتهم بربهم، فهم جميعاً عباد الله، والخليقة مملكة الله التي سخّرها لهم وأمرهم بألا يفسدوا فيها، وأن تكون كل حياتهم عنواناً للحسن في نظرتهم وفي سلوكهم، وفي إصلاح شؤونهم بما لا يضر بالطبيعة أو بالآخرين من البشر. والفقه الإسلامي بُعد اساسي من أبعاد هذا البنيان الشامخ لا يكتمل إلا به، ولا يستقر إلا عليه.
من هنا فإن فيهم أحكام الشريعة لا يتم من دون النظرة الشمولية إلى الدين، بما فيه من مبادىء، ومن قيم، ومن قواعد سلوكية. وحينما كان الفقه الإسلامي ينبت في محيط المجتمع الإسلامي، بما له من صبغة إيمانية خالصة، لم يكن الدارس يومئذ بحاجة إلى المزيد من الجهد، إذ إن البيئة العلمية كانت صافية من مداخلات الثقافات الغربية، بينما اليوم، وقد تداخلت الثقافات في العالم، فإن علينا إن نبذل المزيد من الجهد العلمي لربط فروع الدين بأصوله، وبتعبير آخر: نصل الأحكام بحكمها وقيمها وبالتالي بمبادئها.
وهنا ما سعيت إليه، وربما وفقت له نسبياً سواءً في هذه الدراسة، أو في موسوعة التشريع الإسلامي، ووصيتي أن يعمل الجميع في هذا الحقل لعلنا نوفق لفهم أعمق لأحكام الدين.
وهذه الدراسة التي ترجع إساساً إلى نصف قرن مضى سعيت أنا والإخوة في المكتب الثقافي إتمامها ببعض الدراسة التي كتبت خلال العقدين الماضيين، أقول: هذه الدراسة قد تكون خطت على هذا الطريق.