-
/ عربي / USD
"همس: "يا عزيزي، لا أستطيع أن أنتظر حتى الصباح. يجب أن أرحل، وأخبرك بكل شيء أثناء رحيلي. اسمعني بضع دقائق أخرى. أريد أن أخبرك عن أمي، وكيف أبقت أصابعها محيطة بقبلي. منذ سنين وأنا أتمنى أن أصنع لأمي، وكان ذلك أروع أحلامي كلها. كان سكون أفضل أعمالي قاطبة لأنها كانت دائماً ماثلة في مخيلتي، في شكل معصم بالي، وبالسرية. وحتى قبل فترة وجيزة كنت أشد أن من الصعب على أن أموت دون أن أنقش صورة أمي. كانت حياتي ستبدو عقيمة. أما الآن أنظر إلى أي حد نجحت في عملها. فبدل أن تشكل يداي صورتها، قامت هي بتشكيل صورتي، ونفحت فيّ الحياة. وأحاطت قلبي بأصابعها، وحلّته عن مكانه، وأفرغتني إلى الموت، ومات حلمي معي-التمثال الذي صنعته لحواء من الخشب، أم البشر جميعاً، لا أزال أراه، وسوف أنحته، إذا تبقت أي قوة في يدي. لكنها لن تسمح بذلك لن تسمح أبداً بكشف سرها. وسوف تقتلني قبلها. ومع ذلك يسعدني أن أموت، إنها تسهل الأمر عليّ استمع نرسيس إلى هذه الكلمات الأخيرة وهو مكروب، وكان عليه لكي يميزها أن ينحني إلى أسفل مقترباً من وجه نحو غولدموند. والكثير منها لم يسمعه إلا جزئياً، وسمع الكثير منها، لكنه ظل معناها مغلقاً عليه، ثم فتح المريض عينيه مرة أخرى. عينان يغيبهما الموت، وهمس، مع إيماءه صغيرة، وكأنما يكافح ليهز رأسه:"ولكن كيف يمكن أن تموت أنت يانرسيس؟ أنت تعرف لك أماً. كيف يمكننا أن نحب دون أم؟ إننا بدون أم؟ إننا بدون أم لا نستطيع أن نموت". بقية الكلمات التي غمغمها لم تكن واضحة، وظل نرسيس يلازم سريره طوال اليومين والليلتين، وهو يراقب النور ينطفئ من وجهه، وكلمات غولدموند الأخيرة ما تزال تلفح قلبه كألسنة اللهب. يحكي همسة قصة معلم صارم في دير ألماني، يتمتع بفلسفة ثابتة منفتحة، تلك النظرة ترى العالم ملوناً، تعج فيه حيوات مختلفة شكلاً وذوقاً. ذاك المعلم هو نرسيس وقد استحوذ على مشاعره تلميذه غولدموند الفتى الذي كان متأثراً بطباع أمه إلى حد بعيد، والتي كانت تهرب دائماً إلى الحرية. يتخلص غولدموند من سجن الدير وينغمس في بحر الشهوات، فهل كان هرمان همسة هو هذا الغولدموند أن ذاك النرسيس أم كليهما معاً؟!!
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد