"أسطِّر هذه الكلمات وقد بلغت الثانية والثمانين من العمر، من يدري لعلها الكلمات الأخيرة التي يتسنّى لي تسطيرها في حياتي. كنت على امتداد السنين الطويلة أتطلّع إلى غد كانت صورته تتبدّل مع تقدُّم العمر. وفي مقتبل العمر كانت صورة الغد الموعود مشرقة واعدة بطبيعة الحال. مع ذلك لا...
"أسطِّر هذه الكلمات وقد بلغت الثانية والثمانين من العمر، من يدري لعلها الكلمات الأخيرة التي يتسنّى لي تسطيرها في حياتي.
كنت على امتداد السنين الطويلة أتطلّع إلى غد كانت صورته تتبدّل مع تقدُّم العمر. وفي مقتبل العمر كانت صورة الغد الموعود مشرقة واعدة بطبيعة الحال. مع ذلك لا أزعم أن حياتي كانت نهجاً خططته بيدي من قريب أو بعيد. كانت أقرب ما تكون إلى كونها قدراً أحمد الله عليه.
كنت أحلم في مقتبل العمر بأن أحترف الأدب. جاء يوم فاتحتني والدتي بالسؤال: ماذا تعتزم يا بني أن تسلك من طريق في حياتك؟ وعندما صارحتها بعزمي على التفرغ للأدب العربي سارعت إلى القول: إلامَ يؤول بك هذا الاختصاص؟ وماذا ستجني منه؟ فكّر يا بُني بميدان للعمل ينفعك في حياتك ويدرّ عليك وعلينا ما يعيننا على الوفاء بمتطلبات الحياة.
هكذا خضت غمار إدارة الاعمال والاقتصاد، وحاولت ان أخدم الوطن والمجتمع عبر هذا الميدان. فتقلبت بين أبواب العمل ضمن هذا النطاق، فمارست التدريس في الجامعة الأميركية في بيروت وقمت بأعمال استشارية وتسلمت مهام وظيفية وكتبت في هذا الميدان ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
لم أندم على عمل قمت به أو لم أقم. فلقد انصرفت إلى العمل بكل ما أوتيت من إمكانات شخصية على تواضعها. إنني لم أترك للندم متسعاً في حياتي.
في هذا الكتاب جمعت ما كتبت في الآونة الأخيرة في مواضيع شتى مستمدة من تجاربي في الحياة على مختلف الصعد، عسى أن يكون فيها ما يفيد".
د. سليم الحص