في روايته "المكتباتي" بدا شكري الميدي أجي مؤرخاً حقيقياً لتاريخ ليبيا، بما يؤشر على حقيقة مفادها أن الكتابة الروائية هي إعادة صياغة للتاريخ، أصدق من التاريخ نفسه، يرويها على لسان مسن، أمين إحدى مكتبات بنغازي، يقبع في مكتبة خاصة لا يرتادها إلا الأشباح، ولكنها قوي كنوزاً من المعرفة والأسرار، لذلك يُعرف الروائي عمله بالقول: "هي رحلة ذاتية ضمن أزمان مختلفة داخل ليبيا وخارجها، حول شاب صحفي يحاول أن يكتب سبقاً صحفياً مع مسن يحوي داخله تاريخاً معقداً، مزيج من السياسة والعشق، البحث عن الماضي، التفاصيل الهامشية من أجل صورة أوضح، محاولات تجاوز عائق النسيان، التساؤل عن قيمة اللحظات المستعادة، حوارات تلوح غامضة وشخصية جداً".

- وبالدخول إلى النص (الرواية)، نقرأ مادة ثقافية متنوعة حول تاريخ ليبيا، ونتلمس كيف تعاطى الراوي مع المكتباتي، بما فيها عملية إستنهاضه لذاكرته الشخصية، وما تحتويه المكتبة من صور قديمة منشورة بالأبيض والأسود، والفيديوهات عن الأرشيف الإستعماري الإيطالي، وكذا المقالات التحليلية التي نشرت في الصحف آنذاك، وباللقطات التهكمية المنشورة ضمن البطاقات البريدية الفرنسية عن الحضارة الرومانية الجديدة داخل ليبيا المستعمرة، بأحاديث الكبار في السن... ليخلص الراوي إلى أن الحياة الليبية لا تتغير كثيراً خلال الحروب، إنها حياة رتيبة سرعان ما تعود لطبيعتها في حال تغيرت الظروف لسبب ما.

من أجواء الرواية نقرأ: "... لا شيء حقيقي بالمطلق، كان المسن جالساً على الكنبة الوثيرة محاطاً بالكتب والمجلدات، على ركبتيه مجلد قديم مهترئ فيما ارتسمت على وجهه علامات شحوب حاول جاهداً إخمادها، دفء يديه، عيناه المنهكتان، لحيته المسترسلة ببياض ناصع على ملابسه الكالحة السواد، في خنصره الأيسر خاتم فضي غليظ كالقمر المعلق، إذ ذاك كانت سنواته تمر سلسة!".