-
/ عربي / USD
لم يعقّب حسان على حديث صديقه، وتلهّى بسيجارته يدخّنها وينفض رمادها في المنفضة أمامه، بينما انسحبتُ أنا مخترقاً الشاعر وأريكته والجدار القائم وراءه.
أدركت في تلك اللحظات أنّي قد ترُكت نهائياً لمصيري، وكنت محتاجاً لشارع طويل وواسع لأتنفّس.
مشيت أخترق المارة والسيّارات كأيّ بقعة من الظلّ لا يضيرها أن تُخترق وتُنتهك، دون أن أشعر بأيّ فاجعة تجاه مصيري، بل لقد كان من خفّة وقعه على نفسي يومئذ ما جعلني أشعر بمرح خفيّ بدأ يتسلّل إليّ ويملأ كيانين وفكرت في الأثناء بأنّه كان يمكن أن أحصل على نتائج أكثر إثارة لو أخذت مسألة الرسائل بأقل جديّة، وابتسمتُ وأنا أتخيّل ما يمكن أن يحدث لثلاثتهم وهم يبحثون عن كائن لا مرئيّ يكتب لهم الرسائل ويدّعي صداقتهم.
في ذلك اليوم كفّ وجودي اللامرئيّ عن أن يمثل لي عبئاً أو مأزقاً، لقد صرت دفعة واحدة في حلّ من الإرتباطات، وهذا ليس بالشيء السيّئ على الإطلاق، إنّني بشكل ما فراشة الشاعر اليابانيّ الحالمة وهي تسعى بين المارة والسيارات: "أجل إنّ ذلك ليس بالأمر السيّئ"، قلت في نفسي وأنا أستعيد قصيدة الهايكو الصغيرة: "حلمت البارحة بأنّني فراشة...".
تتنزّل هذه الرواية تاريخيّاً قبيل قيام الثورة التونسيّة، وضمن هذه الفترة تحاول الرواية من خلال محكيّاتها إستقراء أسباب عطالة المثقّف والمؤسسة الثقافية وعزلتهما عن الحراك الإجتماعي، كما تلقي الرواية الضوء على الدور المدمّر للإستبداد السياسي والقبضة الأمنية التي تعاملت بهما السلطة مع الشأن الثقافيّ، وما أنتجه ذلك من غياب كامل للإطار الثقافي لثورة الرابع عشر من جانفي 2011.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد