-
/ عربي / USD
الحرب هي بلا منازع، الظاهرة المعاشة الأشد عنفاً بين كل الظاهرات الإجتماعية. فإذا كانت السوسيولوجيا "فهم للتاريخ من زاوية ما"، كما يقول دوركهايم، يمكن القول بأن الحرب هي التي أنجبت التاريخ، لأن التاريخ بدأ بكونه حصراً، تاريخ النزاعات المسلحة، ومنذ زمن بعيد والتدريس الكلاسيكي للتاريخ يعترض للإنتقاد، كونه خضع دائماً لمسألة سرد وقائع الحروب والمعارك. والحال أنه لمن المستبعد أن يستطيع التاريخ، الكف كلياً عن كونه "تاريخ الحروب" لأن الحروب تبقى بالنسبة لنا في آن معاً النقاط الأكثر أهمية في تسلسلية الأحداث. ومن ثم، بمعزل عن إرادتنا، الحدود التي ترسم المنعطفات الكبرى للأحداث. لقد عرف الإنتقال من حقبة الى أخرى، فيما قبل التاريخ، فترات انتقالية نفترض وجودها دون معرفتها. لكن، ما إن نبلغ الحقبة التاريخية بمعناها الحصري، حتى تصبح الحرب دائماً تقريباً ظاهرة الإنتقال الرئيسية والمحور الذي يربط مختلف أجزائها. وبفعل الحرب اندثرت كافة الحضارات المعروفة.
لكن، وكما أن الوقائع الحربية الكبرى هي التي تحضر انقراض الحضارات المغلوب على أمرها، فهي تعزز من جهة أخرى انطلاقة العديد من الحضارات الجديدة ودخولها التاريخ، والحرب دائماً تقريباً، هي التي تركز الأوليات التي تضع لفترة طويلة تقريباً نمطاً اجتماعياً معيناً على رأس البشرية. من جهة أخرى، ان الحرب هي في الوقت نفسه العامل الرئيسي، بين عوامل التقليد الجماعية، التي تلعب دوراً على جانب كبير من الأهمية في التحولات الإجتماعية. هذا ويجب الإعتراف، وبأسف شديد، أن الحروب ماتزال تشكل حتى اليوم آفة ملازمة لكافة أشكال المجتمعات والدول والمنظمات السياسية والإقتصادية والإيديولوجية. وهذا يؤكد عدم إمكانية التعاطي مع ظاهرة كالحرب، كظاهرة غير ثابتة، رهينة لنزوات الشعوب أو حكامها، وهنا يقف المرء أمام احدى الوظائف الإجتماعية الأكثر قدماً. وقد يبدو عبثاً بعد العديد من الآمال الخائبة، محاولة الإفلات من حلقة الحرب المهيمنة قبل تكوين فكرة مسبقة وواضحة عن هذه الظاهرة المريبة. بإيجاز، لا يمكن أن نأمل بإزالة النزاعات المسلحة ولا حتى إيجاد علاج جدّي للبشرية المصابة بها قبل معرفة هذه الآفة على نحو أفضل. من هنا تأتي هذه الدراسة في محاولة للتعرف على الحرب كظاهرة اجتماعية تنخر آفاتها في عمق البشرية منذ آلاف السنين، وذلك من خلال رؤية فلسفية اجتماعية موضوعية.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد