كان العقابُ رهيباً. انتظرتُ خمسين عاماً لأتمكَّنَ من تأليف هذا الكتاب.* * *"عوقِبتُ، لأنني تظاهرتُ، بهدوء، سلميّاً، من أجل قليل من الديمقراطية. لمدّة شهور، لم أكن سوى رقم تسجيل، الرقم 10366. ذات يوم، استرجعتُ حريّتي، بعد أن كنتُ قد فقدتُ الأمل في ذلك. تمكّنتُ أخيراً، مثلما كنت...
كان العقابُ رهيباً. انتظرتُ خمسين عاماً لأتمكَّنَ من تأليف هذا الكتاب.
* * *
"عوقِبتُ، لأنني تظاهرتُ، بهدوء، سلميّاً، من أجل قليل من الديمقراطية. لمدّة شهور، لم أكن سوى رقم تسجيل، الرقم 10366. ذات يوم، استرجعتُ حريّتي، بعد أن كنتُ قد فقدتُ الأمل في ذلك. تمكّنتُ أخيراً، مثلما كنت أحلمُ، من أن أُحبَّ، وأسافرَ، وأكتُبَ وأنشرَ مؤلفاتٍ عديدة. غير أن كتابة "العقاب"، والجرأةَ على الرجوع إلى تلك الحكاية، والعثورَ على كلماتها، تَطَلَّبَ مني ما يناهز الخمسين عاماً".
بهذه الكلمات يختم الطاهر بنجلّون هذه السيرة الروائية حول تجربة سجنٍ، وإذلال، ومعاناة.
تحكي السيرة قصة أربعة وتسعين طالباً -الطاهر بنجلّون واحدٌ منهم- سُجنوا مدّةَ تسعة عشر شهراً، تحت حكم الحسن الثاني، عقاباً لهم على التظاهر سلميّاً في شوارع المدن المغربية الكبيرة في مارس 1965. يجد أولئك الطلبة أنفسهم، بعد أشهر قليلة، مسجونين داخل ثكنات، بدعوى الخدمة العسكرية، تحت نير ضباط تابعين للجنرال أوفقير، مكلَّفين بـ"إعادة تربيتهم"، يسومونهم العذاب، والإذلال، وسوء المعاملة، ويقودونهم إلى مناورات خطرة بذرائع عبثية. ولم ينتهِ عذابهم إلا ببداية التحضير لانقلاب عسكري، انقلاب الصخيرات في 10 يوليو 1971، حيث أُطلق سراحهم من دون أيّ تفسير.
يروي الطاهر بنجلّون تفاصيل تلك الشهور الطويلة التي طبعته وهو في العشرين من عمره، وغذَّت وعيَهُ، وخلقته، سرّاً، كاتباً. ويعود، بعد رائعة "تلك العتمة الباهرة"، بهذه السيرة الروائية المثيرة، ليحكي لنا "بصيغة الحاضر، وبأسلوب واقعي، من دون بهرجة، ومن دون نعوت. يحكي الأشياء كما وقعت في حينها، يوماً بعد يوم، من دون أن نعلم ما سيحدث في الغد".