"طرق تلدُ طرقاً، كان المقام قصيراً، ودور الطين المهجورة تتهاوى من تلقاء ذاتها، وتذوب في تراب الأرض، كأن لم ينبت الطين يوماً ويصير حيطاناً دافئة ومأهولة بالناس والقبور يجرفها السيل، وتضيع الشواهد في المجرى، وسيبقى الخلاء بلا أثر للحياة ولا للموت، ماتت الأشجار حتى شجرة...
"طرق تلدُ طرقاً، كان المقام قصيراً، ودور الطين المهجورة تتهاوى من تلقاء ذاتها، وتذوب في تراب الأرض، كأن لم ينبت الطين يوماً ويصير حيطاناً دافئة ومأهولة بالناس والقبور يجرفها السيل، وتضيع الشواهد في المجرى، وسيبقى الخلاء بلا أثر للحياة ولا للموت، ماتت الأشجار حتى شجرة الزيتون وشجيرات الصبّار التي بقيت أخذت تنسحب باستمرار داخل الغبار الذي يخنقها، ومات الماء في الآبار وفي النهر. جاءوا جماعات يقصدون وجهة واحدة ومصيراً واحداً وساروا فُرادى إلى وجهات مختلفة. أحبوا هذه الأرض التي لن تذكرهم أبداً وأعطوها عرقهم وفظاظتهم ودمهم. اجتاحهم الجند السائر بين مراكش وفاس في فتن التاريخ التي لا حدّ لها وجرّدهم من كل شيء. حاربوا ولانوا، صار لهم أولياء وأعداء، وتعاقبت المجاعات، وجاء الاستعمار، وبعده الدرك والقرض الفلاحي والضرائب والانتخابات، وها هم يرحلون يحملون كل سياط الزمن والأحزان في أجسادهم".