لماذا الذات الآن، والأوروبي، بكل ما يملك من شعور بالتفوق، كان قد أعلن منذ منتصف القرن الماضي موت الذات؟لستُ ممن يسيرون وراء طغاة الفلسفة وتلامذتهم، لست مهموماً بهمّ زائف، مثل العودة إلى السلف أو استعادته لأسأله أجوبة عن مشكلات وجودي. ولست مكترثاً بإيجاد التشابه، ولا...
لماذا الذات الآن، والأوروبي، بكل ما يملك من شعور بالتفوق، كان قد أعلن منذ منتصف القرن الماضي موت الذات؟ لستُ ممن يسيرون وراء طغاة الفلسفة وتلامذتهم، لست مهموماً بهمّ زائف، مثل العودة إلى السلف أو استعادته لأسأله أجوبة عن مشكلات وجودي. ولست مكترثاً بإيجاد التشابه، ولا بإزالة الاختلاف. لماذا العودة إلى الذات؟ العودة إلى الذات مواجهة مصيرية مع العقل التقني–الرأسمالي، مع العقل المصرفي– العولمي الذي لا يرى الإنسان ابناً للأم–الطبيعة. العودة إلى الذات ليست عودة رومانسية إلى الطبيعة، بل عودة إلى الطبيعة من أجل حمايتها من التدمير الإجرامي الذي يمارسه الرأسمالي والسلطة المدافعة عنه. ولهذا آن لنا أن ننتقل من حافة الفلسفة إلى الدخول في أتونها، متكئين على وعيٍ أولي بالفلسفة. لا ليست مهمة الفلسفة إضاءة الكهف وإبقاء الناس فيه، بل إخراج الناس من الكهف إلى الكينونة الحرة. غير أن مهمة كهذه تتطلب أولاً وقبل كل وعي وعياً بالكهوف نفسها وبحال الساكنين فيها. وقبل أن أحدد الكهوف الكائنة أسأل: هل حقل التفلسف ممكن الآن؟ الذات هذه التي أسعى وراءها هي الذات التي أعيد لها صوتها بعد أن أصموتها، أزيل خفر الظهور عن وجهها بعد أن حجّبوها، أعيد لها قلبها بعد أن حجّروها، أكشف عن جمالها بعد أن قبحوها، أنشر تنوعها بعد أن قتلوها، أعيد لعقلها حق التفكير بعد أن شلّوها، أعيد جناحيها إليها بعد أن سمّروها، ثم أضع بيدها المرفوعة الشعلة بعد أن رمدوها.