”يبدأ البديل في نظري من الشعور بأننا مُقحَمين منذ زمن بعيد في منظومةٍ هي من صُنع القوى العظمى. وهي منظومة أطلق عليها اسم «الحداثة»، وعلى ترتيب الأشياء حسب مساطرها اسم «التحديث»، أو الإصلاح بالتحديث. معلومٌ أنّ الإصلاح بالتحديث سواء تحت ضغط القوى الخارجية المتغلِّبة، أو في...
”يبدأ البديل في نظري من الشعور بأننا مُقحَمين منذ زمن بعيد في منظومةٍ هي من صُنع القوى العظمى. وهي منظومة أطلق عليها اسم «الحداثة»، وعلى ترتيب الأشياء حسب مساطرها اسم «التحديث»، أو الإصلاح بالتحديث. معلومٌ أنّ الإصلاح بالتحديث سواء تحت ضغط القوى الخارجية المتغلِّبة، أو في ظلّ الاكتساح الاستعماري، قوبلا بالمقاومة وبمحاولات التكيُّف، في برامج من صنع حكام ونخب المنطقة، كلّ هذا ودائماً باسم الحفاظ على الدين، والتراث، وما سمِّي بعد ذلك بـ«الهوية». واليوم بعد الاستقلال السياسي، نجد أنفسنا نعيش مخلفات تلك الحداثة وتطوراتها في صورة العولمة. وإنْ نحن احتفظنا بهذا الشعور فإنه لا يسعنا إلّا أن نحاول البناء وإعادة البناء على أساس تعامل محدَّد مع مستجدات هذا الواقع. من هذا المنطلق يتعيَّن الابتعاد عن كلّ تصورٍ للحداثة يختزلها في بضعة مفاهيم معروفة، كأنْ يأتي بعضهم بشيء يسمِّيه حداثة ليقابله بتصوُّر مجرَّدٍ للإسلام. هذا منهج معروف بمحدود مردوديَّته لأن الأسئلة تتضمن الأجوبة. فيكون الدوران في الحلقات المفرغة. فبقدر ما تكون الخلاصات دائماً متضمّنة في الأسئلة والافتراضات بقدر ما تخضع الحلول للهوى وللحسّ الوجداني العقائدي. وكلّ من أتانا «بروح الحداثة» أو«روح الإسلام» أو «روح الحضارة»، فإنه في الحقيقة يتقلب بين تعريفات فقيرة المحتوى. والنتيجة أنه يخلَصُ عادة إلى برامج بعيدة عن الواقع واستقصاء معضلاته. كأن يخلص مثلاً إلى «حداثة إسلامية» مكتملة، وكونية؛ تُبطِل المحاولات الإنسانية الأخرى، وتنصهر فيها كل الإبداعات الكونية. هذا طبعاً يجوز من منطلق العقيدة الدينية، لكنه لا يُقبل كمنهج فلسفي أو بحث معرفي. وكثيراً ما يتصرف المؤمن وكأنّ المؤمنين بعقائد وديانات أخرى لا يترَّجّوْنَ إلا الدخول في تلك الكونية التي هي من صنع تصوره!! أو أنهم سوف يُرغمون بقوة الغلبة على الانخراط فيها!؟".