تعاقبت السنون عادية على مدينة عادية. انتهى عصر الملاحم وتكاثرت بالمدينة مقاهي العاطلين. قاعدين بها طول النهار يحملقون في الخواء ينتظرون عسى أن يحدث بالمدينة حدثٌ خارق. مثلاً أن ينادي المنادي أنّ المهدي المنتظر قد ظهر في رأس الشارع هناك. وإلى أن يظهر فهُم قاعدون في المقاهي...
تعاقبت السنون عادية على مدينة عادية. انتهى عصر الملاحم وتكاثرت بالمدينة مقاهي العاطلين. قاعدين بها طول النهار يحملقون في الخواء ينتظرون عسى أن يحدث بالمدينة حدثٌ خارق. مثلاً أن ينادي المنادي أنّ المهدي المنتظر قد ظهر في رأس الشارع هناك. وإلى أن يظهر فهُم قاعدون في المقاهي يقيسون أرداف النساء...
أما مقهى البحّارة فما زال كالمقاهي القديمة. البحّارة جالسون على الحصير يلعبون الورق ويدخِّنون الكيف. آلات موسيقية معلقة على حائط المقهى لمن أراد أن يضرب عليها. قال أحدهم شيئاً فوقف اللعب وشبّ بينهم خصام. الخصام كان على صبيّ دخل معهم البحر لأول مرة. جمال الصبي شغلهم عن الصيد فشبّت الفتنة في القوارب. في ركن المقهى احْميدو البحّار لا يشترك في الخصام، صامت يدخّن "السبسي".
- يا خاي احميدو أفصِـلْ بيننا.
نطق احميدو بالحكم: من الغد لا يخرج الصبي في أيّ قارب. قولوا لأمه أن تردّه إلى فقيه الجامع ليحفظ القرآن. الفقيه إمام الجامع قام خطيباً في أهل المدينة: "صبيانكم فـَتـَنهم البحر. صاروا كلهم صيادين ولا أحد منهم يحفظ كتاب الله". وصل مع أهل المدينة إلى حلّ: أن يتقاسم الفقيه مع البحر ِولـْدان المدينة، نصفهم يخرج مع القوارب والنصف الآخر من نصيب الفقيه.