إن الطرافة في هذا الكتاب بدت من خلال السؤال الأصولي عن مدى تعبير النظام اللغوي العربي عن صيرورة العربي الوجودية، وعن حجم تأثير هذا الإنسان العربي حضاريًا في الكون عبر استقراء حضوره في اللغة. وهنا نؤكد وظيفة اللغة في فهم اللغة نفسها عبر التمكُّن من عيش الواقع؛ أي إننا نحن...
إن الطرافة في هذا الكتاب بدت من خلال السؤال الأصولي عن مدى تعبير النظام اللغوي العربي عن صيرورة العربي الوجودية، وعن حجم تأثير هذا الإنسان العربي حضاريًا في الكون عبر استقراء حضوره في اللغة. وهنا نؤكد وظيفة اللغة في فهم اللغة نفسها عبر التمكُّن من عيش الواقع؛ أي إننا نحن المتكلمين بالعربية لا مندوحة لنا عن العيش في ديمومة الانبعاث، وهذا هو فعلٌ لغويٌ - وجودي بامتياز، فصيغ اللغة صوغٌ للواقع، ولا سبقيَّة لفعل اللغة على فعل الواقع، لذلك إن التصريف كفيلٌ بالربط بين الأشياء والكلمات، بحسب موقع الأشياء في الكلمات والكلمات في الأشياء. هذا التأمُّل هو الخطوة الضرورة في سيرورة الوعي، لأنه يحكِّم ميتافيزيقا الذهن بفيزيقاه، أو صوره بمادته، وما فعلُ الشَّيْمِ العربي إلا المحاولة الدائمة في بَيَان الكينونة؛ أي إحكام الوعي بالكلام، والفكرة باللفظة. وفهم المنجز الصرفي عمومًا، هو استيعاب إمكانات الخيال والوهم والحدس والتفكر ووجودها الحقيقي الظاهر في المعيش. الفلسفة العربية لا ينتجُها إلا التعمق في بحث اللغة العربية، ودراسة بنيتها التنظيمية، وتفكيك عناصرها المكوِّنة، لأن العربي أبدع صورةً للمكان الذي قَطَنَه وللزمان الذي واجهَه وللنفس الإنسانية في لغته. لذلك، لا يمكن فهمُ تفسيره للعالم إلا من خلال دراسة نظام لغته القائم على جدليَّة الحركة: فعل وفاعل ومفعول، وهي القائمة بدورها على طاقات قَبْلِية في تركيب اللفظة العربية المفردة.