دعت “الثقافة الصلبة” إلى فصل الدين عن الدولة، ووضعت الدولة/الأمة في مركز الوجود، وأكدت مركزية الإنسان في صنع هذا الوجود، وآمنت بأن الحضارة هي نتاج المادة والروح، والفعل والتفكير والإنتاج، وهي دين بديل يؤمن بتضحية الإنسان “في سبيل تقدُّم العلم وبَسْطِ سلطان العقل على...
دعت “الثقافة الصلبة” إلى فصل الدين عن الدولة، ووضعت الدولة/الأمة في مركز الوجود، وأكدت مركزية الإنسان في صنع هذا الوجود، وآمنت بأن الحضارة هي نتاج المادة والروح، والفعل والتفكير والإنتاج، وهي دين بديل يؤمن بتضحية الإنسان “في سبيل تقدُّم العلم وبَسْطِ سلطان العقل على عناصر الطبيعة الجامحة”…
هذا الإيمان الراسخ بمشروع التنوير الثقافي مرَّ بتحولات مهمة خلال العقود الماضية التي شهدت ظهور العولمة، والتمركز حول السوق والنزعة الاستهلاكية، وانتشار النزعة الفردية، وانسحاب الدولة من أدوارها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية؛ مما مهَّد الطريق إلى انتقال الثقافة من مرحلة الصلابة إلى مرحلة السيولة، كما انتقلت إلى عالم السلع الاستهلاكية، فانسحبت الدولة من دعمها للثقافة والإرشاد القومي، وبدلاً من صارت عائقاً أمام الثقافة الحقيقية، حيث اقتصر اهتمامها على توظيف الثقافة والإعلام في تزييف الوعي وتبرير احتكار وسائل القهر والعنف، وشيطنة الحركات الاحتجاجية، التقدُّمية والمحافظة على حدٍّ سواء.