إنّ الفكرة القائلة بأنّ للدين نزعةً تشجّع على العنف فكرةٌ رائجة، وتشكّل جزءاً من الحكمة الشائعة والمتعارَف عليها في المجتمعات الغربيّة. وتبرز هذه الفكرة بوضوح في العديد من مؤسساتنا وسياساتنا. إنّ ما أُطلق عليه “أسطورة العنف الديني” هي الفكرة القائلة بأنّ الدين، بما هو...
إنّ الفكرة القائلة بأنّ للدين نزعةً تشجّع على العنف فكرةٌ رائجة، وتشكّل جزءاً من الحكمة الشائعة والمتعارَف عليها في المجتمعات الغربيّة. وتبرز هذه الفكرة بوضوح في العديد من مؤسساتنا وسياساتنا. إنّ ما أُطلق عليه “أسطورة العنف الديني” هي الفكرة القائلة بأنّ الدين، بما هو سِمَة عابرة للثقافة والتاريخ، مختلفٌ جوهرياً عن السمات “العلمانية” كالسياسة والاقتصاد، وذلك لأنّه يحمل ميلاً مخصوصاً وخطيراً نحو العنف. ومن ثمّ فلا بدّ من كبحه ومنعه من الوصول إلى السلطة العامة. هكذا تظهر الدولة القوميّة العلمانيّة باعتبارها طبيعيّة، متوافقة مع الحقيقة الكونيّة العابرة للزمن حول الأخطار المتأصّلة في طبيعة الدين.
في هذا الكتاب، أتحدّى هذا الجزء من الحكمة الشائعة المتعارف عليها بالتفحّص الدقيق لـسؤال: كيف تمّ تأسيس ثنائيّة “الديني” و”العلماني” في المقام الأوّل. وكيف تمّ اختراع مقولة “الدين” في الغرب الحديث وفي السياق الاستعماري وفقاً لترتيبات معيّنة للسلطة السياسية.
كما أعتمد في هذا الكتاب على المساهمات العلمية لعدد من العلماء والباحثين لاختبار كم هي مقولات الديني والعلماني عابرة للتاريخ والثقافات حقّاً، خاصة حين تُستعمَل في المحاججة بأنّ الدين يسبب العنف. إنني أحاجج بأنه لا وجود لجوهرٍ للدين عابر للتاريخ والثقافات، وأنّ المحاولات الجوهرانيّة لفصل العنف الديني عن العنف العلماني هي محاولات غير دقيقة وغير متسقة.