-
/ عربي / USD
لم تعد قصيدة السيّاب ونازك والبياتي والحيدري، نمطًا مقبولًا للكتابة الشِّعريَّة الآن، فقد توقفت هذه التجارب عند بنيَّة تكوينيَّة اكتفت بطروحاتها الاجتماعيَّة واستوعبت أغراضها ضمن مهماتها التعبيريَّة والفنيَّة يومذاك، وكان من الضروري، تأريخيًا وثقافيًا، أنْ تحدث هزّة عنيفة في بنيَّة قصيدة الحداثة الأولى، لتنشأ حركة ثانيَّة في أحشائها، حركة متدرجة وبطيئة مشحونة بما هوجماليٌّ وفنيٌّ وفلسفيٌّ. بحيث لا تشكَّل هذه الحركة خروجًا على منطق مفهوم الحداثة الأولى، ولا على البنيَّة التشكّيليَّة لها أيضًا، كما لا تدعي أنها حركة ثانيَّة للحداثة بدون جذور، إنَّما جرى التغيير في داخل بنيَّها، نتيج لأتساع التأثير الأجتماعي والثقافي والفلسَّفي على الشاعر، ابتداء من القراءة والتلقي والفهم، إلى الكتابة. من هنا برزت الحاجة لوجود حركة ثانيّة للقصيدة الحديثة، ومن يدرس تاريخ السنوات الستين الماضية، يجد أنَّ مجتمعاتنا العربيَّة لم تكن ساكنة بحيث أبقت التعبير الشعري عن هذه التحولات ينفذ بقوالب شعريَّة قصيدة الحداثة الأولى. فظهرت أشكال فنيَّة للقصيدة بأسماء جديدة، وبموضوعات تشكَّل تحولًا في بنيَّة الوعي الشعري، فظهرت مفاهيم» مثل اللّغة الثانيَّة» لأدونيس، وتجربة البريكان المشحونة بأبعاد فلسَّفيَّة، وظهرت القصيدة اليوميَّة والمألوفة التي عني بها سعدي يوسف وعدد من الشعراء ، وظهرت الشعرية الساخرة والمتهكمة. كل هذا التحول شكَّل نقلة في بنيَّة القصيدة، خاصة في استثمارها للأبعاد المثيولوجية والأسطورية والحياتية.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد